للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الناعبات المشي نعباً كأنما ... نياط بجذع من أراك جريرها

من العركانيات حرف كأنها ... مريرة كيد شد شداً مغيرها

قطعت بها موماة أرض مخوفة ... مخوف رداها حين يستن مورها

ترى ضعفاء القوم فيها كأنهم ... دعاميص ماء نش عنها غديرها

وقسورة الليل التي بين نصفه ... وبين العشا قد ريب منها أسيرها

أبت كثرة الأعداء أن يتجنبوا ... كلابي حتى يستشار عقورها

وما يشتكي جهلي ولكن غرتي ... تراها بأعدائي لبيثاً طرورها

أمخترمي ريب المنون ولم أزر ... جواري من همدان بيضاً نحورها

تنوء بإعجاز ثقال وأسواق ... خدال وإقدام لطاف خصورها

أظن بها خيراً وأعلم أنها ... ستنفك يوماً أو يفك أسيرها

أرى اليوم يأتي دون ليلى كأنما ... أتت حجة من دونها وشهورها

علي دماء البدن إن كان بعلها ... يرى لي ذنباً غير إني أزورها

وأني إذا ما زرتها قلت يا اسلمي ... ويا بأبي قولي اسلمي ما يضيرها

قيل: وكان توبة إذا أتى ليلى الأخيلية خرجت إليه في برقع فلما شهر أمره شكوه إلى السلطان فأباحهم دمه إن أتاهم, فكمنوا له في الموضع الذي كان يلتقاها فيه, فلما علمت به خرجت سافرة حتى جلست في طريقه فلما رآها سافرة فطن لما أرادت, وعلم أنه قد رصد وأنها أسفرت لذلك تحذره, فركض فرسه, فنجا وذلك قوله: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت -البيت المتقدم ضمن القصيدة- وقيل أيضاً: إنه كان يكثر زيارتها, فعاتبه أخوها وقومها, فلم يعتب, وشكوه إلى قومه فلم يقلع. فتظلموا منه على السلطان فأهدر دمه إن أتاهم, وعلمت ليلى بذلك وجاءها زوجها -وكان غيوراً- فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنها, ولئن أنذرته بذلك ليقتلنها. قالت ليلى: وكنت أعرف الوجه الذي يجيئني منه فرصدوه بموضع ورصدته بآخر, فلما أقبل لم أقدر على كلامه لليمين فسفرت وألقيت البرقع عن رأسي, فلما رأى ذلك أنكره فركب راحلته ومضى, ففاتهم.

وخرج يوماً شخص من بني كلاب, ثم من بني الصحمة يبتغي إبلاً له حتى أوحش وأرمل, ثم أمسى بأرض فنظر إلى بيت براز فأقبل حتى نزل حيث ينزل الضيف فأبصر امرأة وصبياناً يدورون بالخباء, فلم يكلمه أحد, فلما كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائحة وسمع فيها صوت رجل حتى جاء بها فأناخها على البيت ثم تقدم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول: ما هذا السواد حذاءك. قالت: راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلمه.

فقال لها: كذبت ما هو إلا بعض خلانك. ونهض يضربها وهي تناشده. قال الرجل: فسمعته يقول: والله لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك. فلما عيل صبرها قالت: يا صاحب البعير, يا رجل وأخذ الصحمي هراوته ثم أقبل يحضر حتى أتاها وهو يضربها فضربه ثلاث ضربات أو أربعاً, ثم أدركته المرأة فقالت: يا عبد الله ما لك, ولنا نح عنا نفسك.

فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته, كلها وقد ظن أنه قتل الرجل وهو لا يدري من الحي بعد حتى أصبح في أخبية من الناس, ورأى غنماً فيها أمة مولدة فسألها عن أشياء حتى بلغ بها الذكر فقال: أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا وكذا.

فضحكت وقالت: إنك تسألني عن شيء وأنت به عالم. فقال: وما ذاك لله بلادك فو الله ما أنا به عالم. قالت: ذاك ليلى الأخيلية وهي

<<  <   >  >>