لقد كان في أبناء حصن بن ضمضم ... لك الويل ما يغني الخباء المطنيا
فلما قدمت على عثمان قعد على سريره ووضع لها سريرا حياله فجلست عليه فوضع عثمان قلنسوته فبدا الصلع فقال: يا ابنة الفرافصة, لا يهولنك ما ترين من صلعي فإن وراءه ما تحبين, فسكتت, فقال: إما أن تقومي إلي وإما أن أقوم إليك. فقالت: أما ما ذكرت من الصلع فإني من نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصلع. وإما قولك: إما أن تقومي إلي وإما أن أقوم إليك فو الله ما تجشمته من جنبات السماوة أبعد مما بيني وبينك بل أقوم إليك. فقامت فجلست إلى جانبه فمسح رأسها ودعا لها بالبركة, ثم قال لها: اطرحي عنك رداءك. فطرحته, ثم قال لها: اطرحي خمارك. فطرحته, ثم قال لها: انزعي درعك. فنزعته, ثم قال لها: حلي إزارك. فقالت: ذاك إليك. فحل إزارها فكانت من أحظى نسائه عنده.
وروى عن أبي الجراح مولى أم حبيبة أنه قال: كنت مع عثمان في الدار فما شعرت إلا وقد خرج محمد بن أبي بكر ونائلة تقول: هم في الصلح. وإذا بالناس قد دخلوا من الخوخة ونزلوا برأس الحبال من سور الدار ومعهم السيوف فرميت بنفسي وجلست عليه, وسمعت صياحهم, فنشرت نائلة بنت الفرافصة شعرها فقال لها عثمان: خذي خمارك. فلعمري لدخولهم علي أعظم من حرمة شعرك, وأهوى رجل إليه بالسيف فاتقته بيدها فقطع إصبعين من أصابعها, ثم قتلوه وخرجوا يكبرون, ولما قتل عثمان قالت نائلة:
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيل الذي جاء من مصر
ومالي لا أبكي وتبكي قرابتي ... وقد غيبت عنا فضول أبي عمرو
وكتبت نائلة إلى معاوية بن أبي سفيان وبعثت بقميص عثمان مع النعمان بن بشير وهذه صورة ما كتبت من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد, فإني أذكركم بالله الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة, وأنقذكم منم الكفر, ونصركم على عدوكم, وأسبغ عليكم نعمه, أنشدكم بالله وأذكركم حقه وحق خليفته الذي لم تنصروه وبعزمة الله عليكم فإنه قال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) (الحجرات: ٩) , وأن أمير المؤمنين بغى عليه ولو لم يكن له عليكم حق إلا حق الولاية ثم أتى لحق على كل مسلم يرجو أيام الله أن ينصره لقدمه في الإسلام وحسن بلائه, وأنه أجاب داعي الله وصدق رسوله والله أعلم, إنه إذا انتخبه فأعطاه شرف الدنيا والآخرة وإني أقص عليكم خبره لأني كنت شاهدة أمره كله حتى قضى الله عليه.
إن أهل المدينة حصروه في داره يحرسونه ليلهم ونهارهم قياما على أبوابه بسلاحهم يمنعونه كل شيء قدروا عليه حتى منعوه الماء, يحضرون فيقولون له: الإفك, فمكث هو ومن معه خمسين ليلة وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر, وكان علي مع الحضريين ممن أهل المدينة ولم يقاتل مع أمير المؤمنين ولم ينصره ولم يأمر بالعدل الذي أمر الله تبارك وتعالى به فظلت تقاتل خزاعة وسعد بن بكر, وهذيل, وطوائف من مزينة