فقالت لها: كلميه, فكلمته وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته, وانصرف هو بمثل حالها, فلما كان الغد تعرضت له مارية.
فلما رآها هش لها وكان قبل ذلك لا يكلمها وقال لها: ما غدا بك؟ قالت: حاجة إليك. قال: اذكريها فو الله لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك إياه فعرفته أنها تهواه وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند وعاهدته على ذلك فأجاب طلبها, ثم أتت هندا فقالت: أما تشتهين أن تري عديا؟ قالت: وكيف لي به؟ قالت: أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه. قالت: أفعل, فواعدته إلى ذلك المكان. فأتاه وأشرفت هند عليه فكادت أن تموت وقالت: إن لم تدخليه إلي هلكت. فبادرت مارية إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته الخبر وذكرت أنها قد شغفت به وسبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح, وأنه لم يزوجها به افتضحت في أمره وماتت فقال لها: ويلك, وكيف أبدؤه بذلك؟ فقالت: هو أرغب من أن تبدأه أنت, وأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفت أمره, وأتت عديا فأخبرته الخبر وقالت: ادعه فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه هندا فإنه غير رادك.
قال: أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب العداوة بيننا. قالت: ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه. فصنع عدي طعاما واحتفل فيه, ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلاثة أيام وذلك في يوم الاثنين فسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه ففعل, فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان فأجابه وزوجه وضمها إليه بعد ثلاثة أيام فكانت معه حتى قتله النعمان فترهبت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة حتى ماتت.
وكانت وفاتها بعد الإسلام بزمان طويل في ولاية المغيرة بن شعبة على الكوفة وخطبها المغيرة، وقد مر بدير هند فنزل ودخل عليها بعد أن استأذن عليها، فأذنت له وبسطت له مسحا، فجلس عليه ثم قالت له: ما جاء بك؟ قال: جئتك خاطباً قالت: والصليب لو علمت أن في خصلة من جمال أو شباب رغبتك في لأجبتك، ولكنك أردت أن تقول في المواسم ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته فبحق معبودك أما هذا أردت. قال إي والله. قالت: فلا سبيل إليه. قال لها: إذا سألتك عن أمور هل أنت مجيبة لي عنها؟. قالت: نعم، قل. فقال: أخبريني ما كان أبوك يقول في هذا الحي من ثقيف.
قالت: ينسبهم من أياد وقد افتخر عنده رجلان من ثقيف أحدهما من بني سالم والآخر من بني يسار، فسألهما عن أنسابهما، فانتسب أحدهما إلى هوزان والآخر إلى أياد. فقال أبي: ما لحي معه على أياد فضل. فخرجا وأبي يقول:
إن ثقيفا لم تكن هوازنا ... ولم تناسب عامر أو مازنا
إلا حديثا أثبت المحاسنا فقال المغيرة: أما نحن، فمن هوازن وأبوك أعلم، ثم قال: أخبريني أي العرب كان أحب إلى أبيك، قالت: أطوعهم له قال: ومن أولئك؟ قالت: بكر بن وائل. قال: فأين بنو تميم؟ قالت: مستفتهم في طاعة. قال فقيس. قالت: ما اقتربوا إليه بما يحب إلا استعقبوه بما يكره. قال: فكيف أطاع فارس؟ قالت: كانت طاعتهم إياه فيما يهوى فاكتفى المغيرة بذلك، ثم قام وانصرف، وقال فيها: