"طليطلة" وكان من بواعثها اعتقاد كثيرين من الأشراف أن البرنسيس "جوانا" التي أقسم لها أكابر الدولة بالطاعة بناء على طلب الملك لم تكن من صلبه بل من صلب "بلتران دولا كوبيا" عشيق الملكة فأعلن الثائرون انتقال الملك من "هنري" إلى أخيه "ألفونس" وجمعوا جيشا لإجراء ذلك فحاول الملك إسكان رؤسائهم بتزوج "إيزابيلا" بالدون "بدرو جيرون" الفاسق أخي مركيز "فلينا".
أما هي فقالت لأخيها: إن زوجتني به أشق صدره بخنجر وأرفع عن نفسي العار. غير أن الدون المذكور مات في طريقه إلى العرس وبعد ذلك بسنتين أي سنة ١٤٦٨ م توفي "ألفونس" فعرض الثائرون تاج الملك على "إيزابيلا" فرفضته وآثرت أن تجعل وارثة لأخيها فعاهد العصاة "هنري" على أن يطلق الملكة ويعترف بأن "إيزابيلا" وارثة لمملكتي "قسطيلة" و"لاون" وأن لها حقا في اختيار بعل تتزوجه برضاها ولم يلبث المجلس العالي أن قرر حق "إيزابيلا" في الإرث.
أما "هنري" فلا يبالي بشروط المعاهدة وحاول إكراه أخته على الاقتران بملك البورتغال غير أن السياسة والحب استمالاها على "فردينندو" برنس "أرغون" فتهددها أخوها بالحبس فلم تعبأ به وعزمت على أن تباشر الأمر بنفسها فردت الرسول الأرغوني بجواب مرض ووقع "فردينندو" على عقد الزواج في "سرفيرا" وذلك سنة ١٤٦٩ م وضمن لعروسه جميع حقوقها الملكية الأصلية في "قسطيلة" و"لاون" فأنفذ" "هنري" في الحال فرقة من العساكر لإلقاء القبض على شقيقته, فهربت على بلاد الوليد وأرسلت إلى "فردينندو" تحثه على أن يوافيها بسرعة لإتمام الزواج فلم يتمكن "فردينندو" من يسير بخفر, لأن أباه كان يحارب عصاة "قطالونيا" وكان بيت المال فارغا فلبسس ثوب خادم وسار متنكرا مع ستة رفقاء استأمنهم فلم يعرفه العساكر الذين أقامهم "هنري" لمنعه المرور وخرج من تلك المدينة بزي لائق فأغذوا السير على بلاد الوليد وتزوج "إيزابيلا" سنة ١٤٦٩ م.
فأعلن "هنري" أن أخته أضاعت جميع الحقوق التي تقررت لها بموجب المعاهدة, وجعل "جوانا" ولية عهده, فانقسمت البلاد إلى قسمين كبيرين متحاربين, وعضدت فرنسا الملك غير أن "إيزابيلا" كانت بحكمتها وفضائلها تستميل إليها أهالي "قسطيلة" شيئا فشيئا وتكتسب طاعتهم وأمانتهم.
وفي سنة ١٤٧٤ م توفي "هنري" وبعد يومين من وفاته أقيمت "إيزابيلا" ملكة في "سيروفيا" فأقسم لها كثيرون من الأشراف بالطاعة إلا أن حزب "جوانا" كان قويا فلم تعترف البلاد كلها بالملكة إلا بعد حرب جرت لها مع "الفونس" ملك البرتوغال, وكان قد خطب "جوانا" ومن ثم شرعت في أعمال تحلى بها تاريخ إسبانيا فأصلحت قوانين البلاد وأدارت الملكة الشؤون الداخلية وعضدت الآداب والصنائع وبذلت جهدها في تغير تصرفات زوجها فإنها كانت قرينة القساوة والخداع ومع أنها كانت روح الحرب التي شهرت على العرب وكانت تحارب فيها بنفسها وتلبس درعا لم يزل محفوظا إلى الآن في مدريد كانت تقاوم القساوة التي اتخذها الإسبانيول في تلك الأيام سياسة نحو الأمة المذكورة ولم تأمر بطرد اليهود من "قسطيلة" ولا سلمت على ذلك وزادها شهرة مساعدتها "كرستوفورس" كولومبوس" فاتح أميركا على إنفاذ مقاصده فإن الأسطول الذي اكتشف به أميركا جهز على نفقتها وضادت استرقاق الهنود الأميركان.
فلما وصل الأسرى الذين أرسلهم إليها "كرستوفورس" المذكور أمرت بإرجاعهم إلى بلادهم وبمساعدة الكردينال "كسيمنس" أصلحت الراهبات وبذلك جعلت للكنيسة في إسبانيا نظاما ثابتا راهنا كالنظام الذي سنته للدولة ولم يكن المال ولا علو المرتبة يشفعان عندها بالمذنبين, بل كان سيف العدل يعلو رقاب المجرمين من الأكابر والأصاغر والإكليروس على حد سواء, وكانت "إيرابيلا" جامعة بين عقل الرجال ومحاسن النساء وفضائل ناضرة عديمة النظير فباتت موضوعا محبوبا للمؤرخين في الأعصر التالية والإسبانيول الآن يحبون ذكرها كما كان رعاياها منهم يحبون شخصها.
أما الموت الفجائي الذي أصاب كلا من الدون "كارلوس" والدون "بدروجيرون" وأخيها "ألفونس" فلم يوقع عليها أقل شبهة مع أنه نالها ربح عظيم وكانت تحب زوجها حبا شديدا لا يعتريه