للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الكذب والتلاعب بعقول الجهال حتى يصدقوا المحال لأن أوصاف عرشها، وعدد جيوشها من الأمور التي لا يمكن تصديقها.

وأما سبب مجيئها إلى سليمان وإسلامها على يده فروي أن سليمان رأي يوما رهجا قريبا منه ولم يكن يبدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فسأل عن ذلك الرهج فقالوا: هو عرش بلقيس. فقال: (يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) (النمل: ٣٨-٣٩) قال: أريد أسرع من ذلك فقال آصف ابن برخيا: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) (النمل: ٤٠) ، وقيل: إن أحد بني إسرائيل قال لسليمان: أنت أقرب النسا إلى الله فلو طلت غليه لأحضره بأسرع ما يكون فصلى سليمان وإذا بالأرض انشقت وظهر العرش يتلألأ. وقيل: إن سليمان في بعض مغازيه احتاج إلى الماء من تحت الأرض فطلب الهدهد فلم يره.

وقيل: بل أصابت الشمس سليمان فنظر ليرى من أين نفذت إليه لا، الطير كانت تظله فرأى موضع الهدهد فارغا فقال: (لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو لأتيني بسلطان مبين) (النمل: ٢١) .

وكان الهدهد قد مر على قصر بلقيس فرأى بستانا لها خلف القصر فمال إلى الخضرة فرأى هدهدا فقال له: أين أنت من سليمان؟ وما تصنع هنا؟ فقال له: ومن سليمان؟ فذكر له حاله. فقال: وأين أنت من هذه الدنيا الواسعة والحدائق الأنيقة، والقصور الشاهقة، والرياض البهجة؟ فقال: ولمن هذا كله؟ فقال: هو لبلقيس صاحبة العرش العظيم ووصف له عرشها فأتى الهدهد إلى سليمان وأخبره بخبره فكتب لها سليمان كتابا وقال له: (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم) (النمل: ٢٨) . فوافاها وهي في قصرها فرمى الكتاب في حجرها فقرأته وأرسلت أع لمت قومها بذلك وإذا بالكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي أتوني مسلمين) (النمل: ٣٠-٣١) فقال قومها: (نحن أولا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) (النمل: ٣٣)

قالت: إني مرسلة إليهم بهدية فإن قبلها فهو من ملوك الدنيا فنحن أعز منه وأقوى وإن لم يقبلها فهو نبي من الله وإني أمتحنه بها، ثم وجهت إليه الهدية وكانت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن وخمسمائة جارية على زي الغلمان كلهم على سروج الذهب والخيل الموسومة، وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجا مكللا بالياقوت والمسك والعنبر وحقا فيه درة يتيمة، وخرزة مثقوبة معوجة الثقب، وأرسلتها مع أشراف رجالها المنذر بن عمرو وآخر ذي رأي عقل وقالت: إن كان نبيا ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقبا مستويا، وسلك في الخرزة خيطا ثم قالت للمنذر: إن نظر إليك غضبا فهو ملك فلا يهولنك أمره، وإن رأيت شيئا لطيفا فهو نبي، فأعلم الله سليمان بذلك فأمر الجن فضربوا لبن الذهب والفضة، وفرشت في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ، وجعلوا حول الميدان حائطا مشرفة شرفة من ذهب وشرفة من فضة وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر أن يربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبن، وأمر بأولاد الجن فأقيموا على اليمين واليسار ثم قعد على كرسيه والكراسي عن يمينه ويساره، واصطفت الشياطين والجن والإنس صفوفا فراسخ، والوحش والسباع والطيور والهوام كذلك، فلما دنا القوم منهم نظروا قرأوا الدواب تروث على الذهب فرموا بما معهم منها فلما وقفوا بين يديه نظر إليهم بوجه طلق، ثم قال: (أتمدونن بمال فما أتان الله خير مما أتاكم) (النمل: ٣٦) ثم قال: أين الحق الذي فيه كذا وكذا فقدموه بين يديه، فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء وقد جعل خيطا بفيها فمرت في ثقب الخرزة، ثم دعا بالماء وأمر الغلمان والجواري أن يغسلوا أيديهم ووجوههم فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله ف الأخرى وتضرب به وجهها والغلام كان يأخذه يضرب به وجهه، ثم رد الهدية فرجع القوم وأخبروها بما شاهدوا فعلمت أنه نبي وأرادت الشخوص إليه في اثنى عشر ألف فيل.

فلما قربت من مكانه قال حينئذ: من يأتيني بعرشها قبل أن

<<  <   >  >>