للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمدائن» (١).

الدليل الثالث: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ)) (٢)، وفي رواية: ((لَقَدْ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، لِحَاجَتِهِ)) (٣).

وجه الاستدلال: أن هذا الحديث نَصَّ على الجواز في البنيان، وهو خاص يُقدم على العام (٤).

نُوقش: بأن حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- حكاية فِعل يحتمل الخصوصية والعذر، فيضعفه، فلا يقوى على رد العموم، ولأن القول أَوْلى (٥).

أُجيب: أن احتمال الخصوصية والعذر لا بد له من دليل، ولا دليل هنا، ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يُصار إلى ترك بعضها، بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها، وقد أمكن الجمع على ما ذُكر، فوجب المصير إليه (٦).

الدليل الرابع: عن جابر -رضي الله عنه- قال: ((نَهَى نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا)) (٧).

وجه الاستدلال: أن فِعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- محمول على أنه كان في المنازل والبنيان؛ لما


(١) (١/ ١١٧).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت (١/ ٤١) برقم: (١٤٨)، ومسلم كتاب الطهارة، باب الاستطابة (١/ ٢٢٥) برقم: (٢٦٦).
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب من تبرز على لبنتين (١/ ٤١) برقم: (١٤٥)، ومسلم كتاب الطهارة، باب الاستطابة (١/ ٢٢٥) برقم: (٢٦٦).
(٤) يُنظر: الحاوي الكبير (١/ ١٥٤)، التمهيد في أصول الفقه (٢/ ١٥٠)، المغني (١/ ١٢٠).
(٥) يُنظر: حاشية ابن عابدين (١/ ٣٤٢).
(٦) يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (٣/ ١٥٥).
(٧) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك (١/ ١١) برقم: (١٣)، والترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء من الرخصة في ذلك (١/ ١٥) برقم: (٩) وقال: «حديث حسن غريب»، وابن ماجه، أبواب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك في الكنيف وإباحته دون الصحاري (١/ ٢١٦) برقم: (٣٢٥)، حسّن إسناده النووي في (المنهاج) (٣/ ١٥٥)، وقال ابن الملقن في (البدر المنير) (٢/ ٣٠٨): «الحديث صحيح معمول به».

<<  <   >  >>