للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيهما من المشاهدة له، وهو خاص يُقدم على العام (١).

نُوقش حديث ابن عمر وحديث جابر: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما قصد بفعله الاستتار، ولا يمكن أن يكون تشريعاً للأمة وهو بهذا الخفاء (٢).

أُجيب عنه بجوابين (٣): الأول: أن الذي يستتر به -صلى الله عليه وسلم- يكون شرعاً لنا كالذي يُظهره؛ لأنه -عليه السلام- لا يفعل في نفسه ما لا يسوغ ولا هو من شريعته، فسواء فَعل النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجه الاستتار به أم الإظهار فهو شرعٌ لنا إذا وقفنا عليه.

الثاني: أنه -صلى الله عليه وسلم- قد فعل ذلك مستتراً به، وقد فعله ظاهراً منتشراً، وذلك في حديث عائشة أنه -عليه السلام- أمر بأن تُستقبل بمقعدته القبلة.

الدليل الخامس: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمُ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: أُرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا؟! اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي (٤) الْقِبْلَةَ)) (٥).

وجه الاستدلال: أن الحديث نص في محل الخلاف؛ لأنَّه في البنيان؛ بدلالة قوله (مقعدتي)، والمقعدة تكون في البنيان (٦)، فكان ذلك منه رداً لما تُوهم، وبياناً لكون النهي عنه في الصحراء دون البيوت.

نُوقشت أحاديث ابن عمر وجابر وعائشة: بأنها دليل على نسخ النهي، فيجب تقديمه (٧).

أُجيب عنه: بأن قولهم أنه ناسخ خطأ؛ لأن النسخ لا يُصار إليه إلا إذا تعذر


(١) يُنظر: الحاوي الكبير (١/ ١٥٤)، المغني (١/ ١٢٠).
(٢) يُنظر: عيون الأدلة في مسائل الخلاف (١/ ٣٤٦)، نيل الأوطار (١/ ١١٠).
(٣) يُنظر: عيون الأدلة في مسائل الخلاف (١/ ٣٤٦).
(٤) المَقْعَدَةُ -بفتح الميم-: وهى موضع القعود، ويطلق على موضع قضاء حاجة الإنسان. يُنظر: المجموع (٢/ ٧٨)، لسان العرب (٣/ ٣٥٧).
(٥) أخرجه ابن ماجه، أبواب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك في الكنيف وإباحته دون الصحاري (١/ ٢١٥) برقم: (٣٢٤)، وأحمد (٤١/ ٥١٠) برقم: (٢٥٠٦٣)، حسَّن إسناده النووي في (المجموع) (٢/ ٧٨)، ونقل ابن قدامة في (المغني) (١/ ١٢٠) عن الإمام أحمد قوله: «أحسن ما رُوي في الرخصة حديث عائشة، وإن كان مرسلاً فإن مخرجه حسن».
(٦) يُنظر: عيون الأدلة في مسائل الخلاف (١/ ٣٤٣)، المجموع (٢/ ٨٢).
(٧) يُنظر: المغني (١/ ١٢٠).

<<  <   >  >>