للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة الأقوال:

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن عبد الله بن زيد (١) -رضي الله عنه-: ((أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ (٢) أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْفَتِلْ -أَوْ: لَا يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً)) (٣).

الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئاً، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً (٤) (٥).

وجه الاستدلال: أن ظاهر هذه الأحاديث يدل على أن مَنْ تيقن الطهارة وشكَّ في الحدث، حُكم ببقائه على الطهارة، ولا يلزمه الوضوء، سواء حصل الشك في الصلاة أم


(١) هو: عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو الأنصاري المازني، من بني مازن بن النجار، يُعرف بابن أم عمارة، ولم يشهد بدراً، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب مع وحشي ابن حرب، وكان مسيلمة قد قتل أخاه حبيب بن زيد، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث، وروى عنه ابن أخيه عباد بن تميم، ويحيى بن عمارة، وواسع بن حبان، وغيرهم. قُتل عبد الله بن زيد يوم الحرة، سنة ٦٣ هـ. يُنظر: الاستيعاب (٣/ ٩١٣)، أسد الغابة (٣/ ٢٥٠).
(٢) يُخَيَّلُ إليه: أصله من الخيال والتخييل، لا فرق في الشك عند الفقهاء بين تساوي الاحتمالين في وجود الحدث وعدمه وبين ترجُّح أحدهما وغلبة الظن في أنه لا وضوء عليه؛ فالشك عندهم خلاف اليقين، وإن كان خلاف الاصطلاح الأصولي، وقولهم موافق لقول أهل اللغة: الشك خلاف اليقين. يُنظر: الصحاح (٤/ ١٥٩٤)، المغني (١/ ١٤٥)، المنهاج شرح صحيح مسلم (٤/ ٥٠)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٤/ ٤٥).
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن (١/ ٣٩) برقم: (١٣٧)، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن مَنْ تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك (١/ ٢٧٦) برقم: (٣٦١).
(٤) حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً: المراد به أن يعلم ويتحقق، ولا يشترط السماع والشم، وذِكر الريح ليس للتخصيص، وإنما يدخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين، قال النووي -رحمه الله- في (المنهاج) (٤/ ٤٩): «وقوله: -صلى الله عليه وسلم- حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً معناه: يعلم وجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين»، وقال الخطابي في (أعلام الحديث) (١/ ٢٢٧ - ٢٢٨): «لم يرد بذكر هذين النوعين من الحدث تخصيصهما وقصر الحكم عليهما حتى لا يقع نقض الطهارة بغيرهما، وإنما هو جواب خرج على حدود المسألة التي سأل عنها السائل، وقد دخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين من غائط وبول ومذي وودي ودم ونحوها».
(٥) سبق تخريجه ص: (١٨٦).

<<  <   >  >>