للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعيد.

الدليل الثالث: عن أنس -رضي الله عنه-: ((أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْراً قَالَ: أَهْرِقْهَا، قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلّاً؟ قَالَ: لَا)) (١).

الدليل الرابع: عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: ((كَانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْهُ وَقُلْتُ: إِنَّهُ لِيَتِيمٍ! فَقَالَ: أَهْرِيقُوهُ)) (٢).

وجه الاستدلال من الحديثين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تخليل الخمر، والنهي يقتضي التحريم، ولو كان إلى استصلاحها وإباحتها سبيل لم تَجُزْ إراقتها، بل أرشدهم إليه، سيما وهي لأيتام يحرم التفريط في أموالهم (٣).

نُوقش: بأنه نهى عن التخليل؛ للزجر عن العادة المألوفة، وأمر بالإراقة قلعاً وقمعاً لهم عن أن يحوموا حول الخمور ويعتادوا على ذلك؛ لأنه كان في ابتداء تحريم الخمر لم يأمن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن يشربوها إذا لم يريقوها، فأمر بالإراقة حسماً لمادة الفساد (٤).

وأُجيب عنه: قال ابن تيمية -رحمه الله-: «هذا غلط من وجوه: أحدها: أنَّ أَمْرَ الله ورسوله لا يُنسخ إلا بأمر الله ورسوله، ولم يرِد بعد هذا نص ينسخه. الثاني: أن الخلفاء الراشدين بعد موته عملوا بهذا كما ثبت عن عمر بن الخطاب. الوجه الثالث: أن يُقال: الصحابة كانوا أطوع الناس لله ورسوله، ولهذا لما حرم عليهم الخمر أراقوها، فإذا كانوا مع هذا قد نُهوا عن تخليلها وأمروا بإراقتها، فمَن بعدهم من القرون أولى منهم بذلك؛ فإنهم أقل طاعة لله ورسوله منهم .... فكيف تُسد الذريعة عن أولئك المتقين، وتُفتح


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الأشربة، باب ما جاء في الخمر تخلل (٥/ ٥١٨) برقم: (٣٦٧٥)، وأحمد (١٩/ ٢٢٦) برقم: (١٢١٨٩)، صححه النووي في (المجموع) (٢/ ٥٧٦)، وابن الملقن في (البدر المنير) (٦/ ٦٣٠).
(٢) أخرجه الترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر يبيعها له (٣/ ٥٥٥) برقم: (١٢٦٣) وقال: «حديث حسن»، هذا الحديث أصله في صحيح مسلم برقم: (١٩٨٣) وهو حديث أنس المتقدم في أول المبحث، قال ابن الملقن في (البدر المنير) (٦/ ٦٢٩) تعليقاً على حديث أنس: «هذا الحديث صحيح رواه مسلم منفرداً به كذلك، وهذا السائل لم أرَ أحداً نُصَّ على اسمه ممن ألف في المبهمات، ويحتمل أن يكون راوي الحديث الآتي -وذكر حديث أبي سعيد هذا- وقال: وقد رُوي من غير وجه نحوه».
(٣) يُنظر: المغني (٩/ ١٧٢)، المجموع (٢/ ٥٧٥).
(٤) يُنظر: المبسوط، للسرخسي (٢٤/ ٢٤)، تبيين الحقائق (٦/ ٤٨).

<<  <   >  >>