للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: عن جابر -رضي الله عنه- قال: ((خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ (١) بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَا السُّرَى (٢) يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ - يَعْنِي ضَاقَ - قَالَ: فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ (٣)، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ)) (٤).

وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر جابراً أن يتزر به إن كان ضيقاً؛ لأن ستر العورة آكد، ولم يأمره بوضع شيء على عاتقه، فدل على عدم وجوبه، والإثم بتركه، وفي ذلك دليل على أن نهيه أن يصلى في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء اختياراً (٥).

نُوقش: بأن الحديث محمول على حال العجز عن ستر المنكبين، والنهي عن إعرائهما إنما يكون للقادر على سترهما (٦)، والعاجز معذور في ذلك بخلاف القادر (٧).

أُجيب عنه: أنه لو كان كشف العاتق حراماً لما رخَّص فيه في حال ضيق الثوب؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- أعلم جابراً بأن محل ذلك ما إذا كان الثوب واسعاً، فأما إذا كان ضيقاً: فإنه يجزئه أن يتزر به؛ لأن القصد الأصلي ستر العورة، وهو يحصل بالائتزار (٨).

الدليل الثالث: عن ميمونة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي وَأَنَا


(١) اشتملت به: اشْتَمَلَ بثوبه: أي تلفَّف به. يُنظر: الصحاح (٥/ ١٧٤١)، مختار الصحاح (ص: ١٦٩).
(٢) ما السُّرَى: السرى: السير بالليل، أراد ما أوجب مجيئك في هذا الوقت. يُنظر: الصحاح (٦/ ٢٣٧٦)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٢/ ٣٦٤).
(٣) التحف: التحفتُ بالثوب: تغطيت به، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به، ولحفت الرجل ألحفه لحفاً: طرحت عليه اللحاف، أو غطيته بثوب. يُنظر: الصحاح (٤/ ١٤٢٦)، مختار الصحاح (ص: ٢٨٠).
(٤) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقاً (١/ ٨١) برقم: (٣٦١).
(٥) يُنظر: الأم (١/ ١٠٩)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٤٠١).
(٦) يُنظر: فتح الباري، لابن رجب (٢/ ٣٦٧).
(٧) يُنظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٤٠٢).
(٨) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١/ ٤٧٢).

<<  <   >  >>