للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن الكراهة فيه للتنزيه» (١).

الأدلة:

الدليل الأول: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ (٢) يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العَبْدِ)) (٣).

الدليل الثاني: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا يَزَالُ اللهُ -عز وجل- مُقْبِلاً عَلَى الْعَبْدِ (٤) فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا التَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ)) (٥).

وجه الاستدلال: أن في الحديثين تنفيراً من الالتفات في الصلاة؛ لما فيه من ترك الإقبال والتوجه إلى الله، ونقص الخشوع المأمور به في الصلاة؛ فلذلك جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- اختلاساً للشيطان من الصلاة، وذلك دليل صريح على كراهة الالتفات، وهو إجماع (٦).

قال الطيبي -رحمه الله- (٧): «المعنى من التفت يميناً وشمالاً: ذهب عنه الخشوع المطلوب


(١) عمدة القاري (٥/ ٣١٠).
(٢) اخْتِلَاس: وهو فعل من الاختلاس وهو السلب، والخلسة: ما يُؤخذ سلباً ومكابرة. يُنظر: الصحاح (٣/ ٩٢٣)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٢/ ٦١)، الكواكب الدراري (٥/ ١١٨).
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة (١/ ١٥٠) برقم: (٧٥١).
(٤) مُقْبِلاً على العبد: أي: ناظراً إليه بنظر الرحمة وإعطاء الثواب. يُنظر: المفاتيح في شرح المصابيح (٢/ ١٩٠).
(٥) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الالتفات في الصلاة (٢/ ١٧٧) برقم: (٩٠٩)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب السهو، ذِكر ما ينقض الصلاة، وما لا ينقضها، باب النهي عن الالتفات في الصلاة (١/ ٢٨٦) برقم: (٥٣٢)، وأحمد (٣٥/ ٤٠٠) برقم: (٢١٥٠٨). قال الحاكم في (المستدرك) (١/ ٣٦١): «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو الأحوص هذا مولى بني الليث: تابعي من أهل المدينة، وثَّقه الزهري، وروى عنه، وجرت بينه وبين سعد بن إبراهيم مناظرة في معناه»، صححه ابن خزيمة (١/ ٢٧٣) برقم: (٤٨٢)، وجوَّده ابن رجب في (فتح الباري) (٦/ ٤٤٥).
(٦) يُنظر: المجموع (٤/ ٩٦)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٧/ ٤٠)، فتح الباري، لابن حجر (٢/ ٢٣٤)، فيض القدير (٣/ ١٣٣).
(٧) هو: الحسين بن محمد بن عبد الله، شرف الدين الطيبي، الإمام المشهور من علماء الحديث والتفسير والمعاني والبيان، وكان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن، مقبلاً على نشر العلم، متواضعاً، حَسَن المعتقد، شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة، ملازماً لإشغال الطلبة في العلوم الإسلامية ومعيناً لهم، من كتبه: «التبيان في المعاني والبيان» و «الخلاصة في معرفة الحديث» و «شرح الكشاف» و «شرح مشكاة المصابيح»، تُوفي سنة ٧٤٣ هـ. يُنظر: الدرر الكامنة (٢/ ١٨٥)، شذرات الذهب (٨/ ٢٣٩).

<<  <   >  >>