للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وهو فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ)) (١).

الدليل الثالث: حديث جابر -رضي الله عنه- المتقدم.

وجه الاستدلال: أن في الأحاديث دليلاً على رد السلام إشارةً، ففِعله -صلى الله عليه وسلم- دليل على سنيته، وأنه عمل قليل لا يفسد الصلاة (٢).

نُوقش من وجهين: الوجه الأول: بأنه يحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في التشهد وهو يشير بأصبعه فظنوه رداً، ويحتمل أنه أشار لهم نهياً عن السلام فظنوه رداً، وحديث جابر رُوي بوجوه عدة: فمرة ذُكر أنه لم يرُدَّ عليه، ومرة ذكر أنه أشار، وفيه أيضاً قوله: (أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي)، فدل ذلك على أن تلك الإشارة التي كانت منه في الصلاة لم تكن رداً، وإنما كانت نهياً (٣).

أجيب عنه: أن التأويل: بأن إشارته -صلى الله عليه وسلم- إليهم كانت نهياً: أي: لا تسلموا، فإنه وإن كان محتملاً ففيه بُعد؛ ولأن حديث ابن عمر نص على أن ذلك كان ردًا للسلام؛ وأنه لو كان القصد النهي، لبيَّنه بما لا يحصل به الإشكال والاحتمال، وهذا محتمل (٤).

الوجه الثاني: أن أحاديث الإشارة كانت قبل نسخ الكلام، والإشارة كلام بالمعنى، ويؤيده حديث ابن مسعود؛ لأنه جاء فيه: (فلم يرُدَّ عليَّ)، ولم يقل: فأشار إلينا، وكذا حديث جابر، وجاء فيه: (أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي) فلم يَرُدُّ عليهم بالإشارة، ولو كان الرد بالإشارة جائزاً لفعله (٥).

أجيب عنه: أولاً: بأن أحاديث الإشارة لو لم تكن بعد نسخ الكلام لَرد باللفظ؛ إذ الرد باللفظ واجب، إلا لمانع: كالصلاة، فلما رد بالإشارة عُلم أن الكلام ممنوع في


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة (٢/ ١٨٩) برقم: (٩٢٧)، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في الإشارة في الصلاة (٢/ ٢٠٤) برقم: (٣٦٨) واللفظ له، وقال: «حسن صحيح»، وأحمد (٣٩/ ٣٢٠) برقم: (٢٣٨٨٦)، والحاكم (٣/ ١٣) برقم: (٤٢٧٨) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه». صححه ابن خزيمة (١/ ٤٤٦) برقم: (٨٨٨)، وابن حبان (٦/ ٣٣) برقم: (٢٢٥٨).
(٢) يُنظر: بحر المذهب، للروياني (٢/ ٨٧)، المفهم (٢/ ١٤٨)، المنهاج شرح صحيح مسلم (٥/ ٢٧).
(٣) يُنظر: تبيين الحقائق (١/ ١٥٧)، نصب الراية (٢/ ٩٠)، عمدة القاري (٧/ ٢٦٩).
(٤) يُنظر: التعليق الكبير (١/ ١٠٦)، الاستذكار (٢/ ٣٣٨).
(٥) يُنظر: تبيين الحقائق (١/ ١٥٧)، البناية (٢/ ٤٤٢)، عمدة القاري (٧/ ٢٦٩).

<<  <   >  >>