للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصلاة (١).

ثانياً: أن المراد بنفي الرد في حديث ابن مسعود وجابر أنه محمول على أنه لم يرد بالكلام؛ بدليل لفظ حديث ابن مسعود: (قد أحدث ألا تكلموا في الصلاة) (٢).

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، وَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، وَيُوصِي أَحَدُنَا بِالْحَاجَةِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ، وَمَا حَدُثَ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: ((إِنَّ اللهَ -عز وجل- يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَلَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ)) (٣).

الدليل الثاني: حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ، فَرَجَعْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَوَجْهُهُ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: ((إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي)) (٤).

وجه الاستدلال: أن قوله: (فلم يرُدَّ عليَّ) عام في اللسان واليد؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرد عليهم إشارةً، ولو كان جائزاً لفعله؛ فدل على كراهة الرد بالإشارة؛ للتنزيه (٥).

نُوقش: بأنه محمول على نفي الرد باللسان كلاماً؛ لأنه قد كان الكلام مباحاً، ثم نُسخ (٦) بقوله: (قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) وهذا ما يُشعر به سياق الحديث.

الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ -يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ- وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيَعُدْ لَهَا)) (٧).


(١) يُنظر: نصب الراية (٢/ ٩٠).
(٢) يُنظر: التعليق الكبير (١/ ١٠٧)، نصب الراية (٢/ ٩١).
(٣) سبق تخريجه: ص (٤٦٢).
(٤) سبق تخريجه: ص (٤٦٢).
(٥) يُنظر: التعليق الكبير (١/ ١٠٧)، حاشية الطحطاوي (ص: ٣٢٢).
(٦) يُنظر: التعليق الكبير (١/ ١٠٧).
(٧) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الإشارة في الصلاة (٢/ ٢٠٣) برقم: (٩٤٤) وقال: «هذا الحديث وَهْم»، وقال الزيلعي في (نصب الراية) (٢/ ٩١): «حديث جيد، أبو غطفان: هو ابن طَريف أو ابن مالك المُرِّيّ، وقد وثقه النسائي وابن حبان وأخرج له مسلم في صحيحه، وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: سُئل أحمد عن حديث مَنْ أشار في صلاته إشارة تفهم عنه: فليعد الصلاة؟ فقال: لا يثبت إسناده، ليس بشيء»، قال ابن رجب في (فتح الباري) (٩/ ٤٩٣): «قال الدارقطني: قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول، وآخر الحديث زيادة في الحديث؛ لعله من قول ابن إسحاق، يعني: أن آخره مدرج، ليس هو من تمام الحديث المرفوع، وهذا هو الظاهر، وهذا يدل على أن أبا غطفان هذا ليس هو المري الذي خرج له مسلم، بل هو غيره، وابن إسحاق، مدلس، ولم يصرح بسماعه من يعقوب بن عتبة، فلعله دلسه عن ضعيف».

<<  <   >  >>