للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: عن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: ((أَجْنَبْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ (١)، فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدِ اغْتَسَلْتُ مِنْهَا، قَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ -أَوْ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ- فَاغْتَسَلَ مِنْهُ)) (٢).

وجه الاستدلال: أن الحديث صحيح صريح في الدلالة، ظاهر في الخلوة (٣)، وقد دل فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوابه على جواز استعمال الرجل فضل المرأة وإن خلت به، وأنه لا تأثير للخلوة.

نُوقش: بأنه يُحمل على عدم الخلوة (٤).

أُجيب عنه: بأنه لا يصح حمله على عدم الخلوة؛ فالحديث ظاهر في الخلوة (٥)؛ لأن العادة أن الإنسان يقصد الخلوة في الاغتسال، ولأن ميمونة -رضي الله عنها- ذكرت أنها اغتسلت، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدها، فأعلمته بأنها اغتسلت من الجفنة.

الدليل الثالث: أنه ثبت بالإجماع جواز اشتراك الرجل والمرأة في الاغتسال من إناء واحد وإن كان كل منهما يغتسل بسؤر الآخر، فإذا ثبت اغتسالهما معاً فكل واحد مستعمل فضل الآخر، فجاز لأحدهما بعد الآخر، ولا تأثير للخلوة (٦).

قال الطحاوي (٧) -رحمه الله-: «أن الرجل والمرأة إذا أخذا بأيديهما الماء معاً من إناء واحد أن


(١) الجَفْنَةُ: الجفنة كالقصعة، وهي جفنة الطعام، والجمع: الجفان والجفنات بالتحريك. يُنظر: الصحاح (٥/ ٢٠٩٢)، مجمل اللغة (ص: ١٩٢)، مختار الصحاح (ص: ٥٩).
(٢) أخرجه الترمذي، أبواب الطهارة، باب الرخصة في ذلك (١/ ٩٤) برقم: (٦٥) وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، وابن ماجه، أبواب الطهارة وسننها، باب الرخصة بفضل وضوء المرأة (١/ ٢٤١) برقم: (٣٧٠)، وأحمد (٤٤/ ٣٨٦) برقم: (٢٦٨٠٢) واللفظ له، وللحديث شواهد؛ فحديث اغتسال النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضل ميمونة في صحيح مسلم سبق تخريجه قريباً، ومن شواهده حديث ابن عباس في مسند أحمد برقم: (٢١٠٢)، صححه ابن حبان برقم: (١٢٤٢).
(٣) يُنظر: البيان والتحصيل (١/ ٤٩)، المجموع (٢/ ١٩١)، المبدع (١/ ٣٥).
(٤) يُنظر: المغني (١/ ١٥٨)، شرح الزركشي (١/ ٣٠٣).
(٥) يُنظر: المبدع (١/ ٣٥).
(٦) يُنظر: التمهيد (١٤/ ١٦٤)، المجموع (٢/ ١٩١)، إحكام الأحكام (١/ ١٣٢)، المبدع (١/ ٣٥).
(٧) هو: أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزديّ الطحاوي، كنيته أبو جعفر، وُلد سنة ٢٣٩ هـ، ونشأ في (طحا) من صعيد مصر، وتفقَّه على مذهب الشافعيّ، ثم تحول حنفياً، انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. من تصانيفه: «شرح معاني الآثار»، «بيان السنّة»، «مشكل الآثار»، «أحكام القرآن» وغيرها، تُوفي سنة ٣٢١ هـ. يُنظر: وفيات الأعيان (١/ ٧١)، سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٧)، الفوائد البهية (ص: ٣١).

<<  <   >  >>