الحمد لله رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. وبعد: فإن مجلس هيئة كبار العلماء قد اطَّلع في دورته الأربعين على الرسالة المقدمة من بعض سكان الضريبة المتضمنة طلب بناء مسجد في ميقات ذات عرق يكون مَعْلماً للميقات يُحرم منه من يمر بهذا الميقات ممن يريد الحج أو العمرة؛ لأن عدم وجود مسجد في الميقات أدَّى إلى تجاوز الميقات من بعض مريدي الحج والعمرة من غير أهل المنطقة قبل الإحرام لعدم وجود ما يرشد إليه؛ ولأهمية الموضوع ومسيس الحاجة إلى إيضاح هذا الميقات رأى المجلس تكليف أصحاب الفضيلة الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، والشيخ عبد اللَّه بن سليمان المنيع عضوي المجلس، والشيخ عبد العزيز بن محمد العبد المنعم الأمين العام للهيئة بزيارة موقع الميقات المذكور والعناية بتحديده وبيان ما يحتاج إليه من مسجد ومرافقه، وقد قاموا بالمهمة وأعدوا التقرير اللازم، وفي الدورة الحادية والأربعين للمجلس المنعقدة في الطائف في الفترة من ١٨/ ٣/١٤١٤هـ إلى ٢٩/ ٣/١٤١٤هـ عرض الموضوع واطلع المجلس على التقرير الذي أعده المشايخ الذي نصه: ((الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فلما كان ميقات ((ذات عرق)) مُدرجاً في جدول أعمال الدورة الأربعين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الرياض ابتداء من تاريخ ١٠/ ١١/١٤١٣هـ. وقد رأى المجلس - كما ورد في المحضر الأول من محاضر هذه الدورة - تكليف كل من فضيلة عضوي المجلس الشيخين عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام وعبد اللَّه بن سليمان المنيع، وأمين عام الهيئة عبد العزيز بن محمد العبد المنعم بزيارة ميقات ((ذات عرق)) وكتابة تقرير بشأنه يتضمن وصفاً له، وبيان حدوده، وتقديمه للمجلس في دورته الحادية والأربعين. وإنفاذاً لما رآه المجلس توجهت اللجنة المكلفة بالمهمة في يوم السبت الموافق ١٢/ ٢/١٤١٤هـ إلى ميقات ((ذات عرق))، وقد سلكت في ذهابها الطريق الموازي لوادي العقيق المتجه شمالاً من (عشيرة) إلى بلدة (المحاني)، وعند محاذاتها ((ذات عرق)) من الشرق تركت الطريق المزفت، واتجهت غرباً مارة بوادي العقيق عرضاً مع خط ترابي ممسوح يصل ما بين الطريق المزفت وبين ذات عرق، وقد حسبت المسافة من وادي العقيق إلى ذات عرق فبلغت ثمانية وعشرين كيلو متراً حسب عداد السيارة. وقد وصلت اللجنة منطقة ذات عرق، وتجولت فيها وفيما حولها من وديان ومزارع، ثم كتبت ما انتهت إليه من معلومات وحقائق معتمدة في ذلك على: ١ - ما ذكره بعض أهل العلم من مفسرين وفقهاء ومؤرخين عن هذا الميقات حيث استعرضت اللجنة وهي في رحلتها قراءة كثير من أقوال أهل العلم في وصف هذا الميقات، وذكر بعض معالمه. ٢ - مشاهدة معالم هذا الميقات من أودية وجبال، وتطبيق ما ذكره أهل العلم عليها لاسيما ممن كتبوا في وصف طرق الحاج، وأشاروا إلى كثير من المواضع مع ضبطها بالوصف والمسافات. ٣ - الاستعانة ببعض أهل الخبرة من سكان تلك الجهة، فقد اتصلت اللجنة بثلاثة من كبار السن من أهل تلك المنطقة، واصطحبتهم معها في جولاتها، ووقوفها على مختلف المعالم من جبال وأودية وآبار وخرائب، وتعرَّفت منهم على أسمائها، وعلى كل ما يعرفونه عنها في القديم حينما كان الحاج يستخدم الإبل في سفره، ويحرم بالنسك من هذا الميقات، وفي الحاضر حيث تغيرت وسائل المواصلات، فأصبح الإحرام منه منقطعاً، وذلك من أكثر من أربعين عاماً حيث ذكروا ذلك. وتوصلت اللجنة إلى الحقائق التالية: ١ - أن (عرقاً) قمة جبل مرتفع ولونه متميز عن بقية الجبل بلون إلى السواد أقرب واقع على كامل قمة الجبل، وهذا الجبل مرتفع عما حوله ممتد من الشرق إلى الغرب بطول ألفي متر تقريباً، يحده من الشرق وادي (الحنو)، ومن الغرب وادي (العصلاء الشرقية)، وهذا الجبل هو الحد الجنوبي للميقات. ٢ - أن ميقات ((ذات عرق)) ريع بين جبلين، فيه مجرى سيل كبير متجه من الشرق إلى الغرب يُدعى ((وادي الضريبة)) يتسع هذا الريع في بعض نواحيه ويضيق في نواحي أخرى بين مائتي متر، وخمسمائة متر، وطوله من الشرق إلى الغرب ألفا متر تقريباً. ويطلق عليه اسم ((الطرفاء)) وفي منتصفه بئر قديمة فيها ماء تسمى ((الخضراء)) يحرم عندها من يريد الإحرام من أهل البلد أو من يمر بها ممن هم حولها حسب إفادة المرافقين للجنة من أهل المنطقة، وفي هذا المحدود يوجد آثار خرائب، وأساسات مباني قديمة لم يبق منها إلا ما هو ملاصق للأرض، وفي غربيه شمال مجرى الوادي آثار مقبرة قديمة، وتغطي أشجار السلم والطلح والسمر عامة أرض الميقات. حدود الميقات: أما حدود هذا الميقات كما وَضُحَ للجنة: فيحده من الشرق ملتقى وادي (الحنو) مع وادي (أنخل) عند مصبهما ليتكون منهما وادي ((الضريبة))، وعند ملتقى هذين الواديين يبتدئ العرق المنسوب إليه هذا الميقات. ويوجد في هذا الحد ثلاث نصائب: إحداها في جنوبيه في سفح العرق المذكور عند ابتدائه من الشرق حيث مجرى وادي (الحنو)، والثانية فوق ملتقى وادي الحنو ووادي أنخل في المثلث الفاصل بينهما قُبيل التقائهما، والثالثة في سفح الجبل الشمالي المقابل لجبل ((عرق)) من الشمال، وهذه العلامات الثلاث ذكر المرافقون من أهل تلك الجهة أنها وُضِعت منذ حوالي ثلاثين سنة من قبل لجنة خرجت من مكة بقصد تحديد الميقات، ومَنْع التعدي عليه. ويحده من الغرب وادي العصلاء الشرقية، المتجه من الجنوب إلى الشمال حيث يصب سيله في وادي الضريبة. ويمتد الحد الغربي شمالاً على مسامتة وادي العصلاء حتى يصل إلى الجبل المقابل من الناحية الشمالية، ويوجد مجرى سيل متجه من الجنوب إلى الشمال موازٍ للعصلاء الشرقية من الغرب يدعى ((العصلاء الغربية)) وبينهما حوالي خمسمائة متر، ويصب سيله في وادي الضريبة. وقد وضعت نصائب من قبل اللجنة السابقة في الضفة الشرقية للعصلاء الغربية، وقال المرافقون: إن هذا متجاوز للحد، وإنما وضعت هذه الأنصاب لتكون حمى للميقات، إذ أن حد الميقات من الغرب هو العصلاء الشرقية - كما أوضحناه آنفاً - لوجود الآثار شرقيها؛ ولأن العرق المنسوب إليه هذا الميقات ينتهي عند هذا الحد. ونوصي بأن يبقى ما بين العصلاء الشرقية والعصلاء الغربية حمى للميقات كما وضعته اللجنة السابقة، ولا يسمح لأحد بإحيائه أو تملكه؛ لئلا يضيق الميقات بالتعدي على حدوده. ويحد الميقات من الجنوب قمة جبل عرق ابتداء من طرفه الشرقي عند مجرى وادي الحنو إلى طرفه الغربي حيث ينتهي بمجرى العصلاء الشرقية. ويحده من الشمال الجبال المتصلة الواقعة شمال وادي الضريبة من مصب وادي أنخل في وادي الضريبة شرقاً ممتداً حتى ملتقى وادي الضريبة بوادي العصلاء الشرقية غرباً. وطول الميقات شرقاً وغرباً ألفا متر تقريباً وهو طول العرق المذكور. وعرض الميقات يختلف باختلاف ما بين الجبلين ضيقاً واتساعاً، ويتراوح ذلك ما بين مائتي متر وخمسمائة متر كما سبقت الإشارة إليه. أما موقع إقامة مسجد الميقات ومرافقه، فترى اللجنة أن يقام في المتسع الواقع شمال شرق بئر ((الخضراء)) لتوسطه؛ ولأن جميع من سألناهم أجمعوا على أن الإحرام في الماضي والحاضر هو قرب هذه البئر التي يوجد حولها بقية الآبار المندفنة، والغرف المتهدمة، والمقابر في سفح الجبال الشمالية الغربية مما يلي وادي الضريبة. هذا ما توصلت إليه اللجنة فيما يتعلق بميقات ((ذات عرق)) ونسأل اللَّه إصابة الحق في القول والعمل. وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)). ولمزيد التأكد طلب المجلس حضور الشريف شاكر بن هزاع قائم مقام مكة سابقاً واطلاعه على تقرير اللجنة ومعرفة ما لديه من معلومات عن الميقات المذكور لما له من خبرة في ذلك، وقد حضر عند هيئة كبار العلماء في يوم السبت الموافق ٢٥/ ٣/١٤١٤هـ، وأفاد أن ما تضمنه تقرير اللجنة موافق لما قررته اللجنة التي شكلت في عام ١٣٨٧هـ لتحديد ذات عرق وكان عضواً فيها ووضعت علامات حدود الميقات في ذلك الوقت التي لا تزال باقية إلى الآن وهي نفس العلامات التي رأتها اللجنة التي شكلها المجلس. كما قام كل من عضوي المجلس فضيلة الشيخ محمد بن سليمان البدر، وفضيلة الشيخ بكر بن عبد اللَّه أبو زيد يوم الجمعة الموافق ٢٤/ ٣/١٤١٤هـ بزيارة لميقات ذات عرق، وأفادا المجلس بأنهما اطَّلعا على الميقات ومعالمه وسألا عدداً من سكان المنطقة عن الميقات واتضح لهما أن ما جاء في تقرير اللجنة التي كلفها المجلس فيه وصف دقيق لذات عرق يوافق واقعها على الطبيعة، وبناءً على ما تقدم فإن المجلس يرى ما يلي: ١ - أن تهتم الحكومة بميقات ذات عرق الذي هو أحد المواقيت المكانية المعتبرة للحج والعمرة من حيث المحافظة عليه، وذلك بوضع علامات واضحة وبارزة في بدايته من الشرق ونهايته من الغرب حسب الحدود الموضحة في تقرير اللجنة المذكور ضمن هذا القرار حتى لا يتجاوزه أحد ممن يريد الحج أو العمرة قبل الإحرام. ٢ - يوصي المجلس بتكليف الجهة المختصة بالمبادرة بإنفاذ أمر خادم الحرمين الشريفين حفظه اللَّه ببناء مسجد ميقات ذات عرق وتأمين ما يحتاجه من خدمات ومرافق حسبما صرح به معالي وزير الحج والأوقاف السابق ونشر في جريدة الجزيرة في عددها (٧٤٧٠) الصادر في ١٩/ ٩/١٤١٣هـ. ٣ - يقام المسجد في المكان الذي اقترحته اللجنة في تقريرها للأسباب التي ذكرتها. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، [انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للعلامة عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، ٣/ ٢٧٨ - ٢٨٢، وهو أحد أعضاء هيئة كبار العلماء، وأحد أعضاء اللجنةالتي خرجت ووقفت على ميقات ذات عرق].