للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطواف (١).


(١) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في اشتراط الطهارة في الطواف على قولين:
القول الأول: أن الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، ومن النجاسة، وستر العورة من شروط صحة الطواف، وبه قال أكثر علماء الإسلام، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان،
٥/ ٢٠٢: (( ... اعلم أن اشتراط الطهارة من الحدث، والخبث، وستر العورة في الطواف هو قول أكثر أهل العلم، منهم: مالك، وأصحابه، والشافعي، وأصحابه، وهو مشهور مذهب الإمام أحمد)). واستدلوا بأدلة منها ما ذكرته في متن هذه الرسالة.
القول الثاني: لا تشترط الطهارة، ولا ستر العورة، فلو طاف من عليه جنابة أو حدث، أو عليه نجاسة، أو طاف عرياناً صح طوافه، وبهذا القول قال الإمام أبو حنيفة. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وخالف الإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه الجمهور في هذه المسألة فقال: لا تشترط للطواف طهارة، ولا ستر عورة، فلو طاف جنباً أو محدثاً، أو عليه نجاسة، أو عرياناً صح طوافه عنده، واختلف أصحابه في وجوب الطهارة للطواف مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط فيه، ومن أشهر الأقوال عندهم: أنه إذا طاف طواف الإفاضة جنباً فعليه بدنة، وإن طاف محدثاً فعليه شاة، وأنه يعيد الطواف بطهارة مادام بمكة، فإن رجع إلى بلده فالدم على التفصيل المذكور. [أضواء البيان، ٥/ ٢٠٢]. ثم ذكر الشنقيطي رحمه اللَّه: أدلة الجمهور بالتفصيل، فذكر حديث عائشة: ((أن أول شيء بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم أنه توضأ، ثم طاف)) ثم بين أن وضوءه لطوافه المذكور في هذا الحديث قد دل دليلان على أنه لازم ولا بد منه:
أحدهما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع: ((خذوا عني مناسككم)) وهذا الأمر للوجوب والتحتم، فلما توضأ للطواف لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالاً لأمره في قوله: ((خذوا عني مناسككم)).
الثاني: أن فعله في الطواف: من الوضوء له، ومن هيئته التي أتى بها عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله: {وليَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العَتيق} [الحج: ٢٩]. قال: وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان لبيان نص من كتاب اللَّه فهو على اللزوم والتحتم، ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع؛ لأن قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى: {فاقطَعُوا أيديهِما} [المائدة: ٣٨]، لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب)). ثم ذكر من أدلتهم حديث عائشة ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) متفق عليه. وفي لفظ لمسلم: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي)). ومنها: ((الطواف بالبيت صلاة)). وفي لفظ: ((مثل الصلاة)) ثم بين أن درجة الحديث لا تقل عن درجة الحسن، ثم قال: لو سلمنا أنه موقوف فهو قول صحابي، ولم يعلم له مخالف من الصحابة، فيكون حجة، لاسيما وقد اعتضد بما ذكرنا قبله من الأحاديث الصحيحة، وبينا وجه دلالتها على اشتراط الطهارة للطواف. [أضواء البيان، ٥/ ٢٠٢ - ٢٠٧].
وقال الإمام الخرقي في مختصر المطبوع مع المغني، ٥/ ٢٢٢ عن الطائف بالبيت العتيق: ((ويكون طاهراً في ثياب طاهرة)) من الحدث، والنجاسة، والستارة شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد، وهو قول مالك، والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطاً، فمتى طاف للزيارة غير متطهِّر أعاد ما كان بمكة، فإن خرج إلى بلده جبره بدم، وكذلك يخرج في الطهارة: من النجس، والستارة، وعنه في من طاف للزيارة وهو ناسٍ للطهارة: لا شيء عليه.
وقال أبو حنيفة: ((ليس شيء من ذلك شرطاً، واختلف أصحابه، فقال بعضهم: هو واجب، وقال بعضهم: هو سنة؛ لأن الطواف ركن للحج، فلم يشترط له الطهارة، كالوقوف)). قال ابن قدامة: (( ... ولنا ما روى ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه)) رواه الترمذي، برقم ٩٦٠، والأثرم، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمَّره عليها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع يوم النحر يؤذن: ((لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان)) [البخاري، برقم ١٦٢٢، ومسلم، برقم ١٣٤٧]، ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة والستارة فيها شرطاً، كالصلاة، وعكس ذلك الوقوف)) [المغني، ٥/ ٢٢٢ - ٢٢٣].
واختار شيخ الإسلام: أن الطهارة لا تجب للطواف [انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام،
٢١/ ٢٧٣، ٢٦/ ١٢٣، ١٢٤، والأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، ص ١٧٦]، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه اللَّه بعد أن ذكر رأي شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وعليه فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس، أنه لا يشترط في الطواف: الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل، واتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام ... )) [الشرح الممتع، ٧/ ٢٩٩ - ٣٠٠].
والقول الأول: وهو قول الجمهور من علماء الإسلام هو الراجح كما تقدم في تفصيل الأدلة عند العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، وكما رجحه الإمام ابن قدامة، وهو الذي لا يرى شيخنا ابن باز غيره، بل يأمر من طاف محدثاً، أو عليه نجاسة وهو يعلمها وأحدث أثناء الطواف أن يعيد الطواف للأدلة الصريحة الصحيحة المذكورة في متن هذه الرسالة، وفي ما تقدم من رد العلامة الشنقيطي على أصحاب القول الثاني، فعلى هذا يجب على المسلم أن لا يطوف إلا على طهارة كما أنه لا يصلي إلا على طهارة. [انظر: المراجع السابقة، وانظر: مجموع فتاوى شيخنا ابن باز رحمه اللَّه، ١٠/ ١٤٢، ١٦٠، و١٦/ ١٣٦، ١٤٠، ١٥١، و١٧/ ٦٤، ٢١٣ - ٢١٩، ٣٢٨،
و٢٩/ ١١٧]. [وانظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ١١/ ٢٣٧ - ٢٣٨، و١١/ ٢٤١ - ٢٤٩].

<<  <   >  >>