للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَأْمُون إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي إِلَى أَحْمد بن أبي خَالِد؛ ليحبسه عِنْده؛ دخل إِبْرَاهِيم إِلَى أَحْمد.

فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: الْحَمد لله الَّذِي من عَليّ بمصيري إِلَيْك، وحصولي فِي دَارك وَتَحْت يدك، وَلم يبتلني بغيرك.

قَالَ إِبْرَاهِيم: فقطب أَحْمد، وَبسر فِي وَجْهي، وَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيم، لقد حسن ظَنك بِي، إِذْ تتوهم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَمرنِي بِضَرْب عُنُقك، أَنِّي أَتعدى ذَلِك إِلَى غير مَا أَمرنِي بِهِ فِيك.

قَالَ: فَأَرَدْت عَيْني فِي مَجْلِسه، فتبينت فِيمَن حضر من أهل خُرَاسَان إنكارا لقَوْله.

فَقلت: صدقت، يَابْنَ أبي خَالِد، إِن قتلتني بِأَمْر أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ كنت غير ملوم، وَكَذَلِكَ لَو أَمرنِي بالشق عَن قَلْبك وكبدك؛ فعلت ذَلِك، وَكنت غير ملوم.

وَلم أَحْمد رَبِّي، وَإِن كَانَ حَمده وَاجِبا فِي كل حَال، لحسن ظَنِّي بك، ولكنني علمت أَن لأمير الْمُؤمنِينَ خَزَنَة سيوف، وخزنة أَقْلَام، وَأَنه مَتى أَرَادَ قتل إِنْسَان؛ دَفعه إِلَى خَزَنَة السيوف، وَمَتى أَرَادَ مناظرته؛ دَفعه إِلَى خَزَنَة الأقلام.

فحمدت الله، تَعَالَى، على مَا من بِهِ عَليّ، من إحلاله إيَّايَ، مَحل من يساءل، لَا مَحل من يعاجل.

قَالَ: فَرَأَيْت وُجُوه كل من حوله قد أشرقت وأسفرت، وأعجبوا بِمَا كَانَ مني.

فَقَالَ أَحْمد بن أبي خَالِد: النَّاس يَتَكَلَّمُونَ على قدر أنفسهم وآبائهم، وكلامك على قدر الْمهْدي وَقدر نَفسك، وكلامي على قدر خلقي وَقدر يزِيد الْأَحول، وَأَنا أستقبلك مِمَّا سبق مني فأقلني، أقَال الله عثرتك، وَسَهل أَمرك، وَعجل خلاصك.

<<  <  ج: ص:  >  >>