للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقُدْرَة تذْهب الحفيظة، وَقد أصبح ذَنبي فَوق كل ذَنْب، كَمَا أصبح عفوك فَوق كل عَفْو، وَلم يبْق إِلَّا عفوك، أَو انتقامك، فَإِن تعاقب فبحقك، وَإِن تعف فبفضلك، وَأَنت للعفو أقرب.

فَأَطْرَقَ الْمَأْمُون مَلِيًّا، ثمَّ رفع رَأسه، فَقَالَ: إِن هذَيْن أشارا عَليّ بقتلك؛ يَعْنِي: أَخَاهُ المعتصم، وَابْنه الْعَبَّاس، وَكَانَا يشيران عَلَيْهِ فِي مُعظم تَدْبِير الْخلَافَة والسياسة.

فَقَالَ إِبْرَاهِيم: لقد نصحا لَك، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فِيمَا أشارا عَلَيْك بِهِ، وَمَا غشاك، إِذْ كَانَ مني مَا كَانَ، وَلَكِن الله، عز وَجل، عودك فِي الْعَفو عَادَة جريت عَلَيْهَا، دافعا مَا تخَاف بِمَا ترجو، فكفاك الله كل مَكْرُوه، وَدفع عَنْك كل مَحْذُور.

قَالَ: فَتَبَسَّمَ الْمَأْمُون، وَأَقْبل على ثُمَامَة، وَقَالَ: إِن من الْكَلَام مَا يفوق الدّرّ، ويغلب السحر، وَكَلَام عمي مِنْهُ، أَطْلقُوهُ، وفكوا عَن عمي حديده، وردوه إِلَيّ مكرما.

فَلَمَّا رد إِلَيْهِ؛ قَالَ: يَا عَم، صر إِلَيّ المنادمة، وارجع إِلَى الْأنس، فَلَنْ ترى مني أبدا إِلَّا مَا تحب، فَلَقَد حبب إِلَيّ الْعَفو، حَتَّى خفت أَن لَا أؤجر عَلَيْهِ، أما أَنه لَو علم النَّاس مَا لنا فِي الْعَفو من اللَّذَّة؛ لتقربوا إِلَيْنَا بِالذنُوبِ، لَا تَثْرِيب الْيَوْم عَلَيْك، يَا عَم، يغْفر الله لنا وَلَك، وَلَو لم يكن فِي حق نسبك مَا يبلغ الصفح عَن إساءتك، وَلَو لم يكن فِي حق قرابتك، مَا يسْتَحق الْعَفو عَن جرمك؛ لبلغت مَا أملت بِحسن تنصلك، ولطف توصلك، ثمَّ أَمر برد ضيَاعه وأمواله إِلَيْهِ.

فَلَمَّا كَانَ من الْغَد؛ بعث إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم درجا، فِيهِ هَذِه الأبيات:

<<  <  ج: ص:  >  >>