للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستدعى إِبْرَاهِيم بزيه، فَحَضَرَ بأخس صُورَة وأقبحها، وَعَلِيهِ ثِيَاب المنادمة، يَفْضَحهُ بذلك.

فَلَمَّا وقف بَين يَدَيْهِ؛ قَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيم، مَا حملك على الْخُرُوج عَليّ، وَالْخطْبَة لنَفسك بالخلافة.

قَالَ أَحْمد بن يُوسُف: وَقد كنت لما أَبْطَأَ الْمَأْمُون عَن مجْلِس الشّرْب؛ تعرفت الصُّورَة، فَلَمَّا استدعاني؛ جِئْت وَقد لبست ثِيَاب الْعَمَل، نزعت ثِيَاب المنادمة.

فَلَمَّا سَأَلَ إِبْرَاهِيم عَن ذَلِك، فِي مثل ذَلِك الْمجْلس؛ علمت أَن الصَّوْت قد ذكره مَا كَانَ من إِبْرَاهِيم، وَلم أَشك فِي أَنه سيقتله.

فَأقبل عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بِوَجْه صفيق، وقلب ثَابت، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لست أَخْلو من أَن أكون عنْدك عَاقِلا، أَو جَاهِلا، فَإِن كنت جَاهِلا، فقد سقط عني اللوم، من الله، تَعَالَى، ثمَّ مِنْك، وَإِن كنت عَاقِلا؛ فَيحسن أَن تعلم أَنِّي قد علمت أَن مُحَمَّدًا أَخَاك مَعَ أَمْوَاله وذخائره، وأموال والدته، وَكَثْرَة ضياعها وصنائعها، والأعمال الَّتِي كَانَت فِي يَده وارتفاعها، ومحبة بني هَاشم لَهُ، لم يثبت لَك، وَهُوَ الْخَلِيفَة، وَأَنت أَمِير من أمرائه، فَكيف أثبت أَنا لَك؟ وَأَنا فِي قوم أَكثر رزق الرجل مِنْهُم ثَلَاثُونَ درهما فِي الشَّهْر، وَقد غلبني على بَغْدَاد ابْن أبي خَالِد الْعيار وَأَصْحَابه، يقطعون، ويضربون، ويحبسون، ويطلقون، وَوَاللَّه، جلّ شَأْنه، وَحقّ رَسُول الله، حق جدي الْعَبَّاس، مَا دخلت فِيمَا دخلت فِيهِ، إِلَّا لأبقي هَذَا الْأَمر عَلَيْك، وعَلى أهل بَيْتك، لما رَأَيْت الْفضل بن سهل قد حمله البطر والرفض على أَن أخرج الْخلَافَة عَنْك، فَأَرَدْت ضبط الْأَمر، إِلَى أَن تقدم فتتسلمه.

قَالَ: فَرَأَيْت الْمَأْمُون وَقد أَسْفر وَجهه، وَقَالَ: عَليّ بنافذ الْخَادِم، فأحضر.

<<  <  ج: ص:  >  >>