فَقَالَ: قد قضيت حوائجي، وَأُرِيد الرُّجُوع، وصحبتك عِنْدِي آثر من صُحْبَة غَيْرك.
فَقلت: على اسْم الله.
وَمَا زلت متحرزا مِنْهُ، وَهُوَ يجْتَهد أَن أدنو مِنْهُ وأوانسه، فَلَا أفعل، وَكلما دنا مني؛ بَعدت عَنهُ، إِلَى أَن سرنا شَيْئا كثيرا، وَلَيْسَ مَعنا ثَالِث.
فقصر عني، فحثثت الْحمار؛ لأفوته، فَمَا أحسست إِلَّا بركضه، فَالْتَفت، فَإِذا هُوَ قد جرد سَيْفه، وقصدني، فرميت بنفسي عَن الْحمار، وعدوت.
فَلَمَّا خَافَ أَن أفوته؛ صَاح: يَا أَبَا الْقَاسِم، إِنَّمَا مزحت مَعَك، فقف، فَلم ألتفت إِلَيْهِ، وَزَاد فِي التحريك.
وَظهر لي ناووس فطلبته، وَقد كَاد الْأَعرَابِي يلْحق بِي، فَدخلت الناووس، ووقفت وَرَاء بَابه.
قَالَ: وَمن صِفَات تِلْكَ النواويس أَنَّهَا مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ، وَبَاب كل ناووس حجر وَاحِد عَظِيم، قد نقر، وحفف، وملس، فَلَا تستمكن الْيَد مِنْهُ، وَله فِي وَجهه حَلقَة، وَلَيْسَ للباب من دَاخل شَيْء تتَعَلَّق الْيَد بِهِ، وَإِنَّمَا يدْفع من خَارجه، فَيفتح، فَيدْخل إِلَيْهِ، وَإِذا خرج مِنْهُ، وجذبت الْحلقَة، انغلق الْبَاب، وَتمكن هَذَا من وَرَائه، فَلم يُمكن فَتحه من دَاخل أصلا.
قَالَ: فحين دخلت الناووس؛ وقفت خلف بَابه، وَجَاء الْأَعرَابِي، فَشد الدَّابَّة فِي حَلقَة الْبَاب، وَدخل يُرِيدنِي، مخترطا سَيْفه، والناووس مظلم، فَلم يرني، وَمَشى إِلَى صدر الناووس، فَخرجت أَنا من خلف الْبَاب، وجذبته، ونفرت الدَّابَّة، فجذبته معي، حَتَّى صَار الْبَاب مردوما ومحكما
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute