مصر، إِلَى أَن يُؤذن لَهُ فِي الْعود، مَا كفته لمن يحملهُ على نَفسه، لِأَن أَكثر أهل مصر بغاءون، وَقد ضايقوه فِي الناكة، وغلبوه باليسار، فَلَا يصل هُوَ إِلَى شَيْء إِلَّا بالغرم الثقيل.
قَالَ: فأعجبه ذكر أهل مصر بذلك، فَقَالَ: كَيفَ قلت هَذَا يَا أَخ؟ فَقلت: إِن المياسير من أهل مصر، لَهُم العبيد العلوج، يأتونهم، لكل وَاحِد مِنْهُم عدَّة غلْمَان، والمتوسطون، يدعونَ العلوج، والزنوج، الْمَشْهُورين بكبر الأيور، وينفقون عَلَيْهِم أَمْوَالهم، وَلَا يصل الْفَقِير المتجمل إِلَيْهِم.
وَلَقَد بَلغنِي أَيْضا، وَأَنا بِمصْر، أَن رجلا من البغائين بهَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ حكاكه، فَطلب من يَأْتِيهِ، فَلم يقدر عَلَيْهِ، فَخرج إِلَى قَرْيَة، ذكر أَنَّهَا قريبَة من مصر، فَأَقَامَ بهَا.
فَكَانَ إِذا اجتاز بِهِ المجتازون، استغوى مِنْهُم من يختاره لهَذَا الْحَال، فَحَمله على نَفسه.
فَكَانَ يعِيش بالمجتاز بعد المجتاز، ويتمكن من إرضائه بِمَا لَا يُمكنهُ فِي مصر.
فَعَاشَ بذلك بُرْهَة، حَتَّى جَاءَ يَوْمًا بغاء آخر، فسكن مَعَه فِي الْموضع، فَكَانَ إِذا جَاءَ الْغُلَام الَّذِي يصلح لهَذَا الشَّأْن، تنافسا عَلَيْهِ، ففسد على الأول أمره.
فجَاء إِلَى الثَّانِي، فَقَالَ: يَا هَذَا، قد أفسدت أَمْرِي، وأبطلت عَمَلي، وَإِنَّمَا خرجت من مصر، لأجل المنافسة فِي الناكة، وَلَيْسَ لَك أَن تقيم معي هَاهُنَا.