فِي وقْعَة كَانَت بَينه وَبينهمْ بِنَحْوِ خمسين رجلا، فَأَرَادَ قَتلهمْ قتلةً يرهب بهَا من فِي القلعة.
قَالَ: وَهِي على جبل عَظِيم، حياله بِالْقربِ مِنْهُ جبل آخر أعظم مِنْهُ، وَعَلِيهِ نزل أَبُو الْفضل.
فَأمر بالأسارى، فَرمي بهم من رَأس الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ القلعة، فيصل الْوَاحِد مِنْهُم إِلَى الْقَرار قطعا، قد قطعته الأضراس الْخَارِجَة فِي الْجَبَل وَالْحِجَارَة.
فَفعل ذَلِك بجميعهم، حَتَّى بَقِي غُلَام حِين بقل وَجهه، فَلَمَّا طرح وصل إِلَى الأَرْض سالما، فَمَا لحقه مَكْرُوه، وَقد تقطع حَبل كِتَافِهِ، فَقَامَ الْغُلَام يمشي فِي قَيده طَالبا الْخَلَاص.
فَكبر الديلم، وَأهل عَسْكَر أبي الْفضل تعظامًا للصورة، وَكبر أهل القلعة.
فاغتاظ أَبُو الْفضل، وَأمر برد الْغُلَام، فَنزل من جَاءَ بِهِ، فَأمر أَن يكتف ويرمى ثَانِيَة.
فَسَأَلَهُ من حضر أَن يعْفُو عَن الْغُلَام، فَلم يفعل، وألحوا عَلَيْهِ، فَحلف أَنه لَا بُد أَن يطرحه ثَانِيَة، فأمسكوا.
وَطرح الْغُلَام، فَلَمَّا بلغ الْقَرار قَامَ يمشي سالما، وارتفع من التَّكْبِير والتهليل أَضْعَاف مَا ارْتَفع أَولا.
فَقَالَ الْحَاضِرُونَ: هَل بعد هَذَا شَيْء؟ وسألوه الْعَفو عَنهُ، وَبكى بَعضهم.
فاستحى أَبُو الْفضل وَعجب، وَقَالَ: ردُّوهُ آمنا، فَردُّوهُ.
فَأمر بقيوده ففكت، وبثياب فطرحت عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أصدقني عَن سريرتك مَعَ الله، عز وَجل، الَّتِي نجاك بهَا هَذِه النجَاة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute