للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: مَا أعلم لي حَالا توجب هَذَا، إِلَّا أَنِّي كنت غُلَاما أمردًا، مَعَ أستاذي فلَان، الَّذِي هُوَ أحد من قتل السَّاعَة، وَكَانَ يَأْتِي مني الْفَاحِشَة، ويخرجني مَعَه، فنقطع الطَّرِيق، ونخيف السَّبِيل، ونقتل الْأَنْفس، وننهب الْأَمْوَال، ونهتك الْحرم، ونفجر بِهن، ونأخذ كل مَا نجد، لَا أعرف غير هَذَا.

فَقَالَ لَهُ أَبُو الْفضل: كنت تَصُوم وَتصلي؟ قَالَ: مَا كنت أعرف الصَّلَاة، وَلَا صمت قطّ، وَلَا فِينَا من يَصُوم.

فَقَالَ لَهُ: وَيلك، فَمَا هَذَا الْأَمر الَّذِي نجاك الله بِهِ، فَهَل كنت تَتَصَدَّق؟ قَالَ: وَمن كَانَ يجئنا حَتَّى نتصدق عَلَيْهِ؟ قَالَ: ففكر، وَاذْكُر شَيْئا، إِن كنت فعلته لله عز وَجل، وَإِن قل.

ففكر الْغُلَام سَاعَة، ثمَّ قَالَ: نعم، سلم إِلَيّ أستاذي مُنْذُ سِنِين، رجلا كَانَ أسره فِي بعض الطرقات، بعد أَن أَخذ جَمِيع مَا مَعَه، وَصعد بِهِ إِلَى القلعة.

وَقَالَ لَهُ اشْتَرِ نَفسك بِمَال تستدعيه من بلادك وَأهْلك، وَإِلَّا قتلتك.

فَقَالَ الرجل: مَا أملك من الدُّنْيَا كلهَا غير مَا أَخَذته مني.

فَعَذَّبَهُ أَيَّامًا وَهُوَ لَا يذعن بِشَيْء.

ثمَّ جد بِهِ يَوْمًا فِي الْعَذَاب جدا شَدِيدا، فَحلف الرجل بِاللَّه تَعَالَى، وبالطلاق، وبأيمان غَلِيظَة، أَنه لَا يملك من الدُّنْيَا إِلَّا مَا أَخذه مِنْهُ، وَأَنه لَيْسَ لَهُ فِي بَلَده إِلَّا نَفَقَة جعلهَا لِعِيَالِهِ، قدرهَا نَفَقَة شهر، إِلَى أَن يعود إِلَيْهِم، وَأَن الصَّدَقَة الْآن تحل لَهُ وَلَهُم، واستسلم الرجل للْمَوْت.

فَلَمَّا وَقع فِي نفس أستاذي أَنه صَادِق، قَالَ: انْزِلْ بِهِ، وامض إِلَى الْموقع الْفُلَانِيّ، فاذبحه، وجئني بِرَأْسِهِ.

فَأخذت الرجل، وحدرته من القلعة، فَلَمَّا رَآنِي أعسفه، قَالَ لي: إِلَى أَيْن تمْضِي بِي؟ وَأي شَيْء تُرِيدُ مني؟ فعرفته مَا أَمرنِي بِهِ أستاذي، فَجعل يبكي، ويلطم، ويتضرع، ويسألني أَن لَا أفعل، ويناشدني الله عز وَجل، وَذكر لي

<<  <  ج: ص:  >  >>