فَقلت لنَفْسي: مَا قعودي، لَئِن لم أتخلص هُنَا، لَا تخلصت أبدا.
فَمَا زلت أرْفق بِهِ، حَتَّى تخلصت، وَسَقَطت عَنهُ، وسبحت منحدرًا، وَأَقْبل هُوَ يشق المَاء عرضا.
فَمَا سبحت إِلَّا قَلِيلا، حَتَّى وَقعت عَيْني على جَزِيرَة، فقصدتها، وحصلت فِيهَا، وَقد بطلت قوتي، وَذهب عَقْلِي، فطرحت نَفسِي عَلَيْهَا كالتالف.
فَلم أحس إِلَّا بَحر الشَّمْس قد أنبهني، فَرَجَعت أطلب شَجَرَة رَأَيْتهَا فِي الجزيرة، لأستظل بهَا من الشَّمْس، فَرَأَيْت الْأسد مقعيًا على شاطئ الْفُرَات حِيَال الجزيرة، فَقل فزعي مِنْهُ.
وأقمت مستظلًا بِالشَّجَرَةِ، أشْرب من ذَلِك المَاء، إِلَى الْعَصْر، فَإِذا أَنا بزورق منحدر، فَصحت بهم، فوقفوا فِي وسط المَاء.
فَقلت: يَا قوم، احْمِلُونِي مَعكُمْ، وارحموني.
فَقَالُوا: أَنْت دسيس اللُّصُوص.
فأريتهم جراحاتي، وَحلفت لَهُم أَنه مَا فِي الجزيرة بعلمي أحد سواي، وأومأت لَهُم إِلَى الْأسد، وَقلت لَهُم: قصتي طريفة، وَإِن تجاوزتموني كُنْتُم أَنْتُم قد قتلتموني، فَالله، الله، فِي أَمْرِي، فوقفوا، فَأتوا، فحملوني.
فَلَمَّا حصلت فِي الزورق، ذهب عَقْلِي، فَمَا أَفَقْت إِلَّا فِي الْيَوْم الثَّانِي، فَإِذا عَليّ ثِيَاب نظاف، وَقد غسلت جراحاتي، وَجعل فِيهَا الزَّيْت والأدوية، وَأَنا بِصُورَة الْأَحْيَاء.
فَسَأَلَنِي أهل الزورق عَن حَالي، فحدثتهم.
وبلغنا إِلَى هيت، فأنفذت إِلَى الْعَامِل من عرفه خبري، فَجَاءَنِي من حَملَنِي إِلَيْهِ.
وَقَالَ: مَا ظَنَنْت أَنَّك أفلت، فَالْحَمْد لله على السَّلامَة.
وَقَالَ لي: كَيفَ هَذَا الَّذِي جرى لَك؟ فَحَدَّثته الحَدِيث من أَوله إِلَى آخِره، فتعجب عجبا شَدِيدا، وَقَالَ: بَين الْموضع الَّذِي قطع علكيم الطَّرِيق، وَبَين الْموضع الَّذِي حملك أهل الزورق مِنْهُ