للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رقبته بيَدي، ونمت على ظَهره، وألصقت بَطْني بظهره، وَجعلت رجْلي تَحت مخصاه وَكَانَت دمائي تجْرِي، فحين داخلني ذَلِك الْفَزع الْعَظِيم رقأ الدَّم، وعلق شعر الْأسد بأفواه أَكثر الْجِرَاحَات، فَصَارَ سدادًا لَهَا، وعونًا على انْقِطَاع الدَّم، لِأَنِّي حصلت كالملتصق عَلَيْهِ.

وَورد على الْأسد مني، أطرف مِمَّا ورد عَليّ مِنْهُ وَأعظم، وَأَقْبل يجْرِي تحتي كَمَا تجْرِي الْفرس تَحت الرَّاكِب الْقوي، وَأَنا أحس بروحي تخرج، وأعضائي تتقصف من شدَّة جريه، وَلم أَشك أَنه يقْصد أجمة بِالْقربِ فيلقيني إِلَى لبوته فتفترسني.

فَجعلت أضبط نَفسِي مَعَ ذَلِك وأؤمل الْفرج، وأدافع الْمَوْت عَاجلا، وَكلما هم أَن يربض ركضت خصاه برجلي فيطير، وَأَنا أعجب من نَفسِي ومطيتي، وأدعو الله عز وَجل، وَأَرْجُو الْحَيَاة مرّة، وَمرَّة آيس من نَفسِي.

إِلَى أَن ضَرَبَنِي نسيم السحر، فَقَوِيت نَفسِي، وَأَقْبل الْفجْر يضيء، فتذكرت طُلُوع الشَّمْس فَجَزِعت، ودعوت الله تَعَالَى، وتضرعت إِلَيْهِ.

فَمَا كَانَ بأسرع من أَن سَمِعت صَوتا ضَعِيفا لَا أَدْرِي مَا هُوَ، ثمَّ قوي، فشبهته بِصَوْت ناعورة، والأسد يجْرِي، وَقَوي الصَّوْت، فَلم أَشك فِي أَنه ناعورة.

ثمَّ صعد الْأسد إِلَى تل، فَرَأَيْت مِنْهُ بَيَاض مَاء الْفُرَات وَهُوَ جَار، وناعورة تَدور، والأسد يمشي على شاطئ الْفُرَات بِرِفْق، إِلَى أَن وجد مشرعة، فَنزل مِنْهَا إِلَى المَاء، وَأَقْبل يسبح ليبعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>