فتأملته، فَإِذا الْخلقَة خلقته، إِلَّا أَن اللِّحْيَة غيرته فِي عَيْني، فسكن خاطري، وَقلت: يَا هَذَا، كَيفَ بلغت إِلَى هَذَا الْحَال؟ قَالَ: يَا سَيِّدي، نشأت، فَلم أتعلم غير معالجة السِّلَاح، وَجئْت إِلَى بَغْدَاد أطلب الدِّيوَان، فَمَا قبلني أحد، فانضاف إِلَيّ هَؤُلَاءِ الرِّجَال، وَطلبت قطع الطَّرِيق وَلَو كَانَ السُّلْطَان أنصفني، ونزلني بِحَيْثُ أستحق من الشجَاعَة، وانتفع بخدمتي، مَا كنت أفعل هَذَا بنفسي.
قَالَ: فَأَقْبَلت عَلَيْهِ أعظه، وأخوفه الله، ثمَّ خشيت أَن يشق ذَلِك عَلَيْهِ، فَيفْسد رعايته لي، فأقصرت.
ثمَّ قَالَ: يَا سَيِّدي، لَا يكون بعض هَؤُلَاءِ قد أَخذ مِنْك شَيْئا؟ قلت: مَا ذهب منا إِلَّا سلَاح رميته أَنا إِلَى المَاء، وشرحت لَهُ الصُّورَة.
فَضَحِك، وَقَالَ: قد وَالله أصَاب القَاضِي، فَمن فِي الكار مِمَّن تعنى بِهِ حَتَّى أطلقهُ؟ قلت: كلهم عِنْدِي بِمَنْزِلَة وَاحِدَة، فَلَو أفرجت عَن الْجَمِيع كَانَ أحسن بك.
فَقَالَ: وَالله، لَوْلَا أَن أَصْحَابِي قد تفَرقُوا بِمَا أخذُوا، لفَعَلت، وَلَكنهُمْ لَا يطيعوني فِي رده، وَلَكِنِّي لَا أدع مَا بَقِي من السفن فِي الكار أَن يُؤْخَذ مِنْهَا شَيْء، فجزيته خيرا.
فَصَعدَ إِلَى الشط، وأصعد جَمِيع أَصْحَابه، وَمنع أَن يُؤْخَذ شَيْء من بَاقِي السفن، فَمَا تعرض لَهَا أحد، ورد على قوم ضعفاء أَشْيَاء كَثِيرَة كَانَت أخذت مِنْهُم، وَأطلق الكار.
وَسَار معي فِي أَصْحَابه، إِلَى أَن صَار بيني وَبَين المأمن شَيْء يسير ثمَّ وَدعنِي، وَانْصَرف فِي أَصْحَابه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute