للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذا بِي قد عريت، وَبَقِي عَليّ خلق لَا أتوارى مِنْهُ بِشَيْء، وَلَيْسَ معي مَاء أشربه، وَلَا ظهر أركبه، وَلَيْسَ بيني وَبَين الْمَوْت إِلَّا سَاعَات يسيرَة، فَقَامَتْ عَليّ الْقِيَامَة، وَاشْتَدَّ جزعي، وَلم يكن لي حِيلَة، فأيست من الْحَيَاة.

فَأَنا كَذَلِك، إِذْ وجدت شستجة، كَانَ لي فِيهَا خَاتم عقيق، كَبِير الفص، كثير المَاء، فَأَخَذته، وَوَقع لي فِي الْحَال وَجه الْحِيلَة، فَجَعَلته فِي قطن، وخبأته معي وقصدت رَئِيس الْقَوْم، وَهُوَ الَّذِي تولى أَخذ مَالِي، وَعرف موضعي وقدري.

فَقلت لَهُ: قد رَأَيْت عَظِيم مَا أَخَذته مني، وَأَنا خَادِم الْخَلِيفَة أَطَالَ الله بَقَاءَهُ، وَقد خرجت لأمر كَبِير من خدمته، وَقد فزت بِمَا أَخَذته مني، فَمَا قَوْلك فِي أَمر آخر أعظم مِمَّا أَخَذته، أعاملك بِهِ، وأسديه إِلَيْك حَلَالا لَا يجْرِي مجْرى الغصوب، على أَن تؤمنني على نَفسِي، وَترد عَليّ من ثِيَابِي مَا يسترني، وَترد عَليّ من دوابي دَابَّة، وتسقيني مَاء، وتسيرني حَتَّى أحصل فِي مأمني؟ فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قلت: تُعْطِينِي أمانك، وعهودك، ومذامك، على الْوَفَاء، فَفعل.

فانفردت بِهِ، وَجعلت يَدي مُقَابلَة للشمس، وأريته الْخَاتم، وأقمت فصه فِي شُعَاع الشَّمْس، فكاد يخطف بَصَره، وَرَأى مَا لم ير مثله.

وَقَالَ: استره، وَقل لي خَبره.

فَقلت: هَذَا خَاتم الْخلَافَة، وفصه هَذَا ياقوت أَحْمَر، وَهُوَ الَّذِي يتداوله الْخُلَفَاء مُنْذُ الْعَهْد الطَّوِيل، وَيعرف بِالْجَبَلِ، وَلَا يقوم أَمر الْخُلَفَاء إِلَّا بِهِ، وَقد كَانَ مخبوءًا بِبَغْدَاد، فَأمرنِي الْخَلِيفَة أَن أحملهُ إِلَيْهِ فِي جملَة مَا حَملته، وَحَيْثُ حصل

<<  <  ج: ص:  >  >>