تَدور، فَجعل رجله عَلَيْهَا فوقفت وَلم تدر.
فَعجب النَّاس، وَقَالَ: من فِيكُم يتَقَدَّم؟ فجَاء رجل أيد شَدِيد، فَأخذ بِيَدِهِ، وَرمى بِهِ كالكرة، وَجعله تَحت رجله الْأُخْرَى، فَمَا قدر أَن يَتَحَرَّك.
وَقَالَ: قدمُوا غلتي إِلَى الطَّحْن وَإِلَّا كسرت الرَّحَى، وَكسرت عِظَام هَذَا.
فَقَالُوا: يَا هَذَا هَات الْغلَّة، فَجئْت بهَا، فَطحنت، وفرغت مِنْهَا، وجعلتها فِي الأعدال.
وَقَالَ لي: قُم.
قلت: إِلَى أَيْن؟ قَالَ: إِلَى مَنْزِلك.
قلت: لَا أسلك الطَّرِيق وحدي، فَإِنَّهُ مخوف، وَلَكِن أَصْبِر حَتَّى يفرغ أهل قريتي، وأرجع مَعَهم.
فَقَالَ: قُم وَأَنا مَعَك، ولسنا نَخَاف، بِإِذن الله عز وَجل، شَيْئا.
فَقلت فِي نَفسِي: من كَانَت تِلْكَ الْقُوَّة قوته يجب أَن آنس بِهِ، فَقُمْت، وحملت الْغلَّة على الْحمير، وسرنا إِلَى أَن جِئْنَا إِلَى قريتي، وَلم نلق فِي طريقنا بَأْسا.
فَلَمَّا دخلت إِلَى بَيْتِي، خرج وَالِدي وإخوتي، وعجبوا من سرعَة ورودي بالغلة، وَرَأَوا الرجل، فسألوني عَن الْقِصَّة، فَأَخْبَرتهمْ.
وَسَأَلنَا الرجل أَن يُقيم فِي ضيافتنا، فَفعل، فذبحنا لَهُ بقرة، وأصلحنا لَهُ سكباجًا، وَقدم إِلَيْهِ، فَأكل الْجَمِيع بِنَحْوِ الْمِائَة رَطْل خبْزًا.
فَقَالَ لَهُ أبي: يَا هَذَا، مَا رَأَيْت مثلك قطّ، فَأَي شَيْء أَنْت؟ وَمن أَيْن معاشك؟ قَالَ: أَنا رجل من النَّاحِيَة الْفُلَانِيَّة، وَأُسَمِّي شَدَّاد، وَكَانَ لي أَخ أَشد بدنًا وَقَلْبًا مني، وأسمه عَاد، وَكُنَّا نبذرق القوافل من قريتنا إِلَى مَوَاضِع كَثِيرَة، وَلَا نستعين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute