للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ استدعى الْجَارِيَة، فَخرجت، وَجعلا يشربان، فَلَمَّا توَسط شربه، جرني، فَلم أَشك أَنه يُرِيد ذبحي، فَإِذا هُوَ قد طرحني فِي غَار من تِلْكَ المغارات، وَحل كتافي، وأطبق الْبَاب بصخرة عَظِيمَة، فأيست من الْحَيَاة، وَعلمت أَنه قد أدخرني لغد.

فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْل، لم أحس إِلَّا بِامْرَأَة تكلمني، فَقلت لَهَا: مَا بالك؟ فَقَالَت: إِن هَذَا العَبْد قد سكر ونام، وَهُوَ يذبحك فِي غَد كَمَا ذبح صَاحبك، فَإِن كَانَت لَك قُوَّة فاجهد فِي دفع الصَّخْرَة واخرج فاقتله، وأنج بِي وبنفسك.

فَقلت: وَمن أَنْت؟ قَالَت: أَنا امْرَأَة من الْبَلَد الْفُلَانِيّ، ذَات نعْمَة، خرجت أُرِيد أَهلا لي فِي الْبَلَد الْفُلَانِيّ، فَخرج علينا هَذَا الْعَدو لله، فَأهْلك الْقَافِلَة الَّتِي كنت فِيهَا، ورآني فأخذني غصبا، وَأَنا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا شهرا، على هَذِه الصُّورَة، يرتكب مني الْحَرَام، وأشاهد ذبحه للنَّاس وَأكله لَهُم، وَلَا يُوصف لَهُ إِنْسَان بِشدَّة بدن إِلَّا قَصده، حَتَّى يَقْهَرهُ، ثمَّ يَجِيء بِهِ فيأكله، ويعتقد أَن شدته تنْتَقل إِلَيْهِ، وَإِذا خرج حَبَسَنِي فِي الْغَار، وَخلف عِنْدِي مَأْكُولا وَمَاء لأيام، وَلَو اتّفق أَنه يحتبس عني، فضل يَوْم، مت جوعا وعطشًا.

فَقلت: إِنَّنِي مَا أُطِيق قلع الصَّخْرَة.

قَالَت: وَيلك، فجرب نَفسك.

قَالَ: فَجئْت إِلَى الصَّخْرَة فاعتمدت عَلَيْهَا بقوتي، فتحركت، فَإِذا قد وَقع تَحت الصَّخْرَة حَصَاة صَغِيرَة، وَقد صَارَت الصَّخْرَة مركبة تركيبًا صَحِيحا، وَذَلِكَ لما أَرَادَهُ الله تَعَالَى من خلاصي.

فَقلت: أَبْشِرِي، وَلم أزل أجتهد، حَتَّى زحزحت الصَّخْرَة شَيْئا أمكنني الْخُرُوج مِنْهُ، فَخرجت.

<<  <  ج: ص:  >  >>