وَكنت أكتب، حِينَئِذٍ، لأم المتقي لله، وَهُوَ حدث، فتأخرت عَنْهُم أَيَّامًا، وأخللت بأمرهما، وَأَنا متوفر تِلْكَ الْأَيَّام على الطّواف فِي الصَّحَارِي، لَا آكل، وَلَا أشْرب، وَلَا أتشاغل بِأَكْثَرَ من الْبكاء والهيمان.
فَأنْكر المتقي وَأمه تأخري، فاستدعاني المتقي، وخاطبني فِي شَيْء من أمره، فوجدني لَا أَعقل وَلَا أحصل مَا يَقُوله، وَلَا أفهمهُ.
فَسَأَلَنِي عَن سَبَب اختلالي، فصدقته، وبكيت بَين يَدَيْهِ، وَسَأَلته أَن يسْأَل أَبَاهُ بيع الْجَارِيَة عَليّ، أَو هبتها لي.
فَقَالَ: مَا أجسر على هَذَا.
قَالَ: وَزَاد عَليّ الْأَمر، وَبَطلَت.
وَبلغ أم المتقي الْخَبَر، فراسلتها أسألها مِثْلَمَا سَأَلت أبنها، فرثت لي، وحملت نَفسهَا على أَن خاطبت السيدة أم المقتدر فِي أَمْرِي.
فَقَالَت لَهَا أم المقتدر: مَا الْعجب من الرجل، فَإِن الَّذِي فِي قلبه من الْعِشْق قد أعماه عَن الرَّأْي بل الْعجب مِنْك، كَيفَ وَقع لَك أَنه يجوز أَن يَقُول أحد للخليفة: انْزِلْ عَن جاريتك لرجل يعشقها.
فراسلتني أم المتقي بِمَا جرى، فَزَاد مَا بِي من القلق.
وَكنت لَا ألْقى أحدا من الرؤساء فِي الدولة، كالوزير، وحاشية الْخَلِيفَة، إِلَّا وأقصدهم، وأبكي بَين أَيْديهم، وأحدثهم حَدِيثي، وأسألهم مَسْأَلَة الْخَلِيفَة فِي تَسْلِيم الْجَارِيَة إِلَيّ، إِمَّا بِبيع، أَو هبة.
فَمنهمْ من يُنكر عَليّ ويوبخني، وَمِنْهُم من يرثي لي ويعذرني، وَمِنْهُم من يُشِير عَليّ بالإمساك، وَمِنْهُم من يَقُول: إِذا علم الْخَلِيفَة هَذَا، وَأَنَّك تتعرض لحرمه، كَانَ فِي هَذَا إِتْلَاف نَفسك، وَأَنا ملازم أَبْوَابهم، وَتركت خدمَة صَاحِبي.
إِلَى أَن طَال عَليّ الْأَمر وعَلى المتقي وَأمه، لعدم ملازمتي الْبَاب وَوضعت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute