فَقَالَ الرجل للملاحين: وَيحكم، حملتم مَعنا إنْسَانا غَرِيبا؟ فَقَالُوا: لَا.
فَأَشْفَقت أَن يَنْقَطِع السُّؤَال، فَصحت: نعم، هوذا أَنا.
فَقَالَت: كَلَام مولَايَ، وَالله، وَجَاء بِي الغلمان إِلَى الرجل.
فَلَمَّا رَآنِي عرفني، وَقَالَ: وَيحك، مَا هَذَا الَّذِي أَصَابَك؟ وَمَا أداك إِلَى هَذِه الْحَال؟ فصدقته عَن أَمْرِي، وبكيت، وَعلا نحيب الْجَارِيَة من خلف الستارة، وبكا هُوَ وَإِخْوَته بكاء شَدِيدا، رقة لنا.
ثمَّ قَالَ: يَا هَذَا، وَالله، مَا وطِئت هَذِه الْجَارِيَة، وَلَا سَمِعت مِنْهَا غناء قبل هَذَا الْيَوْم، وَأَنا رجل موسع عَليّ وَالْحَمْد لله، وقدمت إِلَى بَغْدَاد لسَمَاع الْغناء، وَطلب أرزاقي من الْخَلِيفَة، وَقد بلغت من الْأَمريْنِ مَا أردْت.
فَلَمَّا عولت على الرُّجُوع إِلَى وطني، أَحْبَبْت أَن أستصحب معي مغنية من بَغْدَاد، فاشتريت هَذِه الْجَارِيَة، لأضمها إِلَى عدَّة مغنيات عِنْدِي بِالْبَصْرَةِ.
وَإِذ كنتما على هَذِه الْحَالة، فَأَنا، وَالله، أغتنم المكرمة وَالثَّوَاب فيكما، وَأشْهد الله تَعَالَى على أَنِّي إِذا صرت إِلَى الْبَصْرَة أعْتقهَا وأزوجك إِيَّاهَا، وَأجْرِي عَلَيْكُمَا مَا يكفيكما، على شريطة إِن أجبتني إِلَيْهَا.
قلت: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَن تحضرها عِنْدِي مَتى أردنَا الْغناء، تغني بحضورك وتنصرف بانصرافك إِلَى دَار أفرغها لَكمَا، وقماش أعطيكما إِيَّاه.
قلت: يَا سَيِّدي، وَكَيف أمنع من هُوَ الْمُعْطِي، وأبخل على من يرد حَياتِي عَليّ، بِهَذَا الْمِقْدَار، وَأخذت أقبل يَده، فَمَنَعَنِي.
ثمَّ أَدخل رَأسه إِلَى الْجَارِيَة، وَقَالَ: يرضيك هَذَا؟ فَأخذت تَدْعُو لَهُ، وتشكره.
فاستدعى غُلَاما لَهُ، وَقَالَ لَهُ: خُذ بيد هَذَا الرجل، وَغير ثِيَابه، وبخره،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute