ثمَّ شهقت فَكَادَتْ تتْلف، وارتفع لَهَا بكاء عَظِيم، وصعقت أَنا، فتبرم بِي الملاحون، وَقَالُوا: كَيفَ حملنَا هَذَا الْمَجْنُون مَعنا.
فَقَالَ بَعضهم: إِذا بَلغْتُمْ بعض الْقرى فأخرجوه وأريحونا مِنْهُ.
فَجَاءَنِي أَمر عَظِيم، أعظم من كل شَيْء دفعت إِلَيْهِ، وَوضعت فِي نَفسِي التصبر، وَالْحِيلَة فِي أَن أعلمها بمكاني من الزلَال، لتمنع من إخراجي.
وبلغنا إِلَى قرب الْمَدَائِن، فَقَالَ صَاحب الزلَال: اصعدوا بِنَا إِلَى الشط، فطرحوا إِلَى الشط، وَخرج الْجَمَاعَة، وَقد كَانَ الْمسَاء قد قرب، وَصعد أَكثر الملاحين يَتَغَوَّطُونَ، فَخَلا الزلَال، وَكَانَ الْجَوَارِي فِيمَن صعد إِلَى مستراح ضرب لَهُنَّ.
فمضيت سَارِقا نَفسِي حَتَّى صرت خلف الستارة، فغيرت طَريقَة الْعود عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ، إِلَى طَريقَة أُخْرَى، وَرجعت إِلَى موضعي من الزلَال.
وَفرغ الْقَوْم من حاجاتهم فِي الشط، ودافعوا وَالْقَمَر منبسط.
فَقَالُوا لَهَا: بِاللَّه يَا ستي غنينا شَيْئا، وَلَا تنغصي علينا عيشنا.
فَأخذت الْعود فجسته، فشهقت شهقة كَادَت تتْلف، وَقَالَت: وَالله، قد أصلح هَذَا الْعود مولَايَ، على طَريقَة من الضَّرْب كَانَ بهَا معجبًا، وَكَانَ يضْربهَا معي، وَوَاللَّه إِنَّه مَعنا فِي الزلَال.
فَقَالَ لَهَا صَاحبهَا: وَالله، لَو كَانَ مَعنا مَا امتنعنا من عشرته، فَلَعَلَّهُ أَن يخف بعض مَا بك، فننتفع بغنائك.
فَقَالَت: مَا أَدْرِي مَا تَقولُونَ، هُوَ، وَالله، مَعنا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute