فَقَالَ لَهُ النخاس: أخرج الْجَارِيَة، فقد حضر المُشْتَرِي.
فَدخل الْبَيْت، وَإِذا الْجَارِيَة قد خرجت فِي الْقَمِيص الغليظ الَّذِي كَانَ على الْفَتى بِعَيْنِه، وَهِي فِيهِ، مَعَ خشونته، كَأَنَّهَا فِي الْحلِيّ وَالْحلَل، لحسن وَجههَا، وَفِي يَدهَا عود.
فَأمرهَا جَعْفَر بِالْغنَاءِ، فَجَلَست، وَضربت ضربا حسنا، واندفعت تغني:
إِن يمس حبلك بعد طول تواصلٍ ... خلقا وَيُصْبِح بَيتكُمْ مَهْجُورًا
فَلَقَد أَرَانِي والجديد إِلَى بلَى ... دهرًا بوصلك رَاضِيا مَسْرُورا
جذلًا بِمَا لي عنْدكُمْ لَا أَبْتَغِي ... بَدَلا بوصلك خلة وعشيرا
كنت المنى وأعزّ من وطئ الْحَصَى ... عِنْدِي وَكنت بِذَاكَ مِنْك جَدِيرًا
ثمَّ غلبها الْبكاء حَتَّى منعهَا من الْغناء، وَسَمعنَا من الْبَيْت نحيب الْفَتى، وَقَامَت الْجَارِيَة تتعثر فِي أذيالها، حَتَّى دخلت الْبَيْت، وَارْتَفَعت لَهما ضجة بالبكاء والشهيق، حَتَّى ظننا أَنَّهُمَا قد مَاتَا، وهممنا بالانصراف.
فَإِذا بالفتى قد خرج وَعَلِيهِ ذَلِك الْقَمِيص بِعَيْنِه، فَقَالَ: أَيهَا الْقَوْم، أعذروني فِيمَا أَفعلهُ وأقوله.
فَقَالَ لَهُ جَعْفَر: قل.
فَقَالَ: أشهد الله تَعَالَى، وأشهدكم، أَن هَذِه الْجَارِيَة حرَّة لوجه الله تَعَالَى، وأسألكم أَن تزوجوني بهَا.
قَالَ: فتحير جَعْفَر أسفا على الْجَارِيَة، ثمَّ قَالَ لَهَا: أتحبين أَن أزَوجك.
من مَوْلَاك؟ قَالَت: نعم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute