للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: ثَلَاثُونَ ألف دِينَار.

فَقَالَ جَعْفَر: فَهَل لَك أَن تأمرها بِأَن تغنينا؟ فَأقبل الشَّيْخ عَلَيْهَا فاستدناها، وأمرها أَن تغني، فَأخذت الْعود، وأصلحته، ثمَّ استعبرت، وغنت بِصَوْت، الْغناء من صَنْعَة إِبْرَاهِيم:

وَمن عَادَة الأيّام أنّ صروفها ... إِذا سرّ مِنْهَا جَانب سَاءَ جَانب

وَمَا أعرف الأيّام إِلَّا ذميمةً ... وَلَا الدَّهْر إِلَّا وَهُوَ بالثأر طَالب

قَالَ: ثمَّ أَنَّهَا أَلْقَت الْعود من يَدهَا، وصرخت، وصرخ الشَّيْخ، وَجعلا ينتحبان.

ثمَّ إِن الشَّيْخ أقبل على جَعْفَر وَمن مَعَه، وَقَالَ: أشهدكم أَنِّي قد أعتقتها، وَجعلت عتقهَا صَدَاقهَا، وَالله، لَا ملكهَا أحد أبدا.

فَغَضب جَعْفَر، وَأَقْبل من حضر على الشَّيْخ يؤنبونه ويستجهلونه، وَيَقُولُونَ لَهُ: ضيعت هَذَا المَال الْجَلِيل، وعجلت، وجهلت.

فَقَالَ الشَّيْخ: النَّفس أولى أَن يبْقى عَلَيْهَا من المَال، والرازق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَعَاد جَعْفَر إِلَى أَبِيه فَأخْبرهُ بِمَا كَانَ من الرجل وَالْجَارِيَة.

فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: فَمَا صنعت بهما؟ قَالَ: تركتهما وانصرفت.

فَقَالَ لَهُ: وَيحك، مَا أنصفت يَا وَلَدي، أَو مَا أنفت على نَفسك أَن تفرق بَين متحابين مثلهمَا، مقترين، فقيرين، أَو تَنْصَرِف عَنْهُمَا، وَلَا تجبر حَالهمَا؟ أرضيت أَن يكون الْكُوفِي أسمح مِنْك.

ودعا بِغُلَام، فَحمل مَعَه إِلَى الشَّيْخ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار على بغال.

<<  <  ج: ص:  >  >>