قَالَ: فقلق الْفَتى قلقًا شَدِيدا، وَجعل غرماؤه يطالبونه كالعادة، فِي قَضَاء الدَّين وَقت الْمَوْسِم، فاضطر، وَأخرج الْجَارِيَة إِلَى النخاسين، فعرضها.
وَكَانَ الْفَتى ينزل بِالْقربِ من منزلي، وَكُنَّا نصطحب إِلَى منزل الْفَقِيه، وَلَا نكاد نتفارق.
فَبَاعَ الْجَارِيَة بِأَلف دِرْهَم وَكسر، وعزم على أَن يفرق مِنْهَا على غُرَمَائه قدر مَالهم، ويتمون بِالْبَاقِي.
وَكَانَ قلقًا، موجعًا، متحيرًا، عِنْد رجوعنا من النخاسين.
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل إِذا ببابي يدق، فَقُمْت ففتحته، فَإِذا بالفتى.
فَقلت: مَالك؟ فَقَالَ: قد امْتنع عَليّ النّوم، وَقد غلبتني وَحْشَة الْجَارِيَة، والشوق إِلَيْهَا.
وَوَجَدته من القلق على أَمر عَظِيم، حَتَّى أنْكرت عقله، فَقلت: مَا تشَاء؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَقد سهل عَليّ أَن ترجع الْجَارِيَة إِلَى ملكي، وأبكر غَدا فَأقر لغرمائي بمالهم، وأحبس فِي حبس القَاضِي، إِلَى أَن يفرج الله تَعَالَى عني، ويجيئني من خُرَاسَان مَا أَقْْضِي بِهِ ديني فِي الْعَام الْمقبل، وَتَكون الْجَارِيَة فِي ملكي.
فَقلت لَهُ: أَنا أكفيك ذَلِك فِي غَد إِن شَاءَ الله، وأعمل فِي رُجُوع الْجَارِيَة إِلَيْك، إِذا كنت قد وطنت نَفسك على هَذَا.
قَالَ: فبكرنا إِلَى السُّوق، فسألنا عَمَّن اشْترى الْجَارِيَة.
فَقَالُوا: امْرَأَة من دَار أبي بكر بن أبي حَامِد، صَاحب بَيت المَال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute