فَلَمَّا لم يبْق غَيره، أنكر ابْن أبي حَامِد حَاله، فَقَالَ لَهُ: إِن كَانَت لَك حَاجَة فاذكرها.
فَسكت، وَجَرت دُمُوعه، وشهق.
فرفق بِهِ ابْن أبي حَامِد، وَقَالَ لَهُ: قل، عافاك الله، وَلَا تستح.
فَقَالَ لَهُ: بِعْت أمس، جَارِيَة كَانَت لي، وَكنت أحبها، واشتريت لَك، أَطَالَ الله بَقَاءَك، وَقد أحسست بِالْمَوْتِ أسفا على فراقها.
وَأخرج الثّمن فَوَضعه بِحَضْرَتِهِ، وَقَالَ لَهُ: أَنا أَسأَلك أَن ترد عَليّ حَياتِي، بِأخذ هَذِه الدَّنَانِير، وإقالتي من البيع.
قَالَ: فَتَبَسَّمَ ابْن أبي حَامِد، وَقَالَ لَهُ: لما كَانَت بِهَذَا الْمحل من قَلْبك لم بعتها؟ فَقَالَ: أَنا رجل صيرفي، وَكَانَ رَأس مَالِي ألف دِينَار، فَلَمَّا اشْتَرَيْتهَا، تشاغلت بهَا عَن لُزُوم الدّكان، فَبَطل كسبي، وَكنت أنْفق عَلَيْهَا من رَأس المَال نَفَقَة لَا يحتملها حَالي، فَلَمَّا مَضَت مُدَّة، خشيت الْفقر، وَنظرت، فَإِذا أَنا لم يبْق معي من رَأس المَال إِلَّا الثُّلُث أَو أقل، وَصَارَت تطالبني من النَّفَقَة، بِمَا لَو أطعتها فِيهِ، ذهبت هَذِه الْبَقِيَّة، وحصلت على الْفقر.
فَلَمَّا منعتها، ساءت أخلاقها ونغصت عيشي، فَقلت أبيعها، وأدير ثمنهَا فِيمَا أختل من حَالي، وتستقيم عيشتي، وأستريح من أذاها، وأتصبر على فراقها، وَلم أعلم أَنه يلحقني هَذَا الْأَمر الْعَظِيم، وَقد آثرت الْآن الْفقر، وَأَن تحصل الْجَارِيَة عِنْدِي، أَو أَن أَمُوت، فَهُوَ أسهل عَليّ مِمَّا أَنا فِيهِ.
فَقَالَ ابْن أبي حَامِد: يَا فلَان، فجَاء خَادِم أسود.
فَقَالَ لَهُ: أخرج الْجَارِيَة الَّتِي اشْتريت لنا بالْأَمْس.
قَالَ: فأخرجت جاريتي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute