فَقُلْنَا لَهُ: مَا سَبَب هَذَا؟ فَامْتنعَ، فألححنا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: مَاتَ أبي وسني نَحوا من عشْرين سنة، وَخلف عَليّ حَالا صَغِيرَة، وأوصاني قبل مَوته بِقَضَاء دُيُون عَلَيْهِ، وملازمة السُّوق، وَأَن أكون أول دَاخل إِلَيْهِ، وَآخر خَارج مِنْهُ، وَأَن أحفظ مَالِي.
فَلَمَّا مَاتَ، قضيت دينه، وحفظت مَا خَلفه لي، ولزمت الدّكان، فَرَأَيْت فِي ذَلِك مَنَافِع كَثِيرَة.
فَبينا أَنا جَالس يَوْمًا وَلم يتكامل السُّوق، وَإِذا بِامْرَأَة راكبة على حمَار، وعَلى كفله منديل دبيقي، وخادم يمسك بالعنان، فَنزلت عِنْدِي.
فأكرمتها، وَوَثَبْت إِلَيْهَا، وسألتها عَن حَاجَتهَا، فَذكرت ثيابًا.
فَسمِعت، وَالله، نَغمَة، مَا سَمِعت قطّ أحسن مِنْهَا، وَرَأَيْت وَجها لم أر مثله، فَذهب عني عَقْلِي، وعشقتها فِي الْحَال.
فَقلت لَهَا: تصبرين حَتَّى يتكامل السُّوق، وآخذ لَك مَا تريدين، فَفعلت، وَأخذت تحادثني، وَأَنا فِي الْمَوْت عشقًا لَهَا.
وَخرج النَّاس، فَأخذت لَهَا مَا أَرَادَت، فجمعته، وَركبت وَلم تخاطبني فِي ثمنه بِحرف وَاحِد، وَكَانَ مَا قِيمَته خَمْسَة آلَاف دِرْهَم.
فَلَمَّا غَابَتْ عني أَفَقْت، وأحسست بالفقر، فَقلت: محتالة، خدعتني بِحسن وَجههَا، ورأتني حَدثا، فاستغرتني، وَلم أكن سَأَلتهَا عَن منزلهَا، وَلَا طالبتها بِالثّمن، لدهشتي بهَا.
فكتمت خبري لِئَلَّا أفتضح، وأتعجل الْمَكْرُوه، وعولت على غلق دكاني،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute