للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبيع كل مَا فِيهَا، وأوفي النَّاس ثمن مَتَاعهمْ، وأجلس فِي بَيْتِي مُقْتَصرا على غلَّة يسيرَة من عقار كَانَ خَلفه لي أبي.

فَلَمَّا كَانَ بعد أُسْبُوع، إِذا بهَا قد باكرتني، وَنزلت عِنْدِي، فحين رَأَيْتهَا أنسيت مَا كنت فِيهِ وَقمت لَهَا.

فَقَالَت: يَا فَتى، تأخرنا عَنْك، وَمَا شككنا أَنا قد روعناك، وظننت أَنا قد احتلنا عَلَيْك.

فَقلت: قد رفع الله قدرك عَن هَذَا.

فاستدعت الْمِيزَان، فوفتني دَنَانِير قدر مَا قلت لَهَا عَن ثمن الْمَتَاع، وأخرجت تذكرة بمتاع آخر.

فأجلستها أحادثها، وأتمتع بِالنّظرِ إِلَيْهَا إِلَى أَن تَكَامل السُّوق، وَقمت، وَدفعت إِلَى كل إِنْسَان مَا كَانَ لَهُ، وَطلبت مِنْهُم مَا أَرَادَت، فأعطوني، فجئتها بِهِ، فَأَخَذته وانصرفت، وَلم تخاطبني فِي ثمنه بِحرف.

فَلَمَّا غَابَتْ عني نَدِمت، وَقلت: المحنة هَذِه، أعطتني خَمْسَة آلَاف دِرْهَم، وَأخذت مني مَتَاعا بِأَلف دِينَار، والآن إِن لم أقع لَهَا على خبر، فَلَيْسَ إِلَّا الْفقر، وَبيع مَتَاع الدّكان، وَمَا قد ورثته من عقار.

وتطاولت غيبتها عني أَكثر من شهر وَأخذ التُّجَّار يشددون عَليّ فِي الْمُطَالبَة، فعرضت عقاري، وأشرفت على الهلكة.

فَأَنا فِي ذَلِك، وَإِذا بهَا قد نزلت عِنْدِي، فحين رَأَيْتهَا زَالَ عني الْفِكر فِي المَال، ونسيت مَا كنت فِيهِ، وَأَقْبَلت عَليّ تحادثني، وَقَالَت: هَات الطيار، فوزنت لي بِقِيمَة الْمَتَاع دَنَانِير.

<<  <  ج: ص:  >  >>