هَذِه الْجَارِيَة، وَوَاللَّه، لَا نطقت بِحرف، وَلَا جَلَست مَعكُمْ، أَو تخْرجُوا هَذَا المعاند.
ونهضت لأخرج، فتعلقوا بِي، فَلم أرجع، فلحقتني الْجَارِيَة، فتعلقت بِي، فلنت، وَقلت: لَا أَجْلِس، حَتَّى تخْرجُوا هَذَا البغيض.
فَقَالَ لَهُ صَاحبه: من هَذَا كنت أَخَاف عَلَيْك، فَأخذ يعْتَذر.
فَقلت: أَجْلِس، وَلَكِنِّي، وَالله، لَا أنطق بِحرف وَهُوَ حَاضر، فَأخذُوا بِيَدِهِ، فأخرجوه.
فَبَدَأت أُغني الْأَصْوَات الَّتِي غنتها الْجَارِيَة من صنعتي، فطرب صَاحب الْبَيْت طَربا شَدِيدا، وَقَالَ: هَل لَك فِي أَمر أعرضه عَلَيْك؟ فَقلت: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تقيم عِنْدِي شهرا، وَالْجَارِيَة لَك بِمَا لَهَا من كسْوَة.
فَقلت: أفعل.
فأقمت عِنْده ثَلَاثِينَ يَوْمًا، لَا يعرف أحد أَيْن أَنا، والمأمون يطلبني فِي كل مَوضِع، فَلَا يعرف لي خَبرا.
فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك، سلم إِلَيّ الْجَارِيَة وَالْخَادِم، وَجئْت بهَا إِلَى منزلي، وَكَانَ أهل منزلي فِي أقبح صُورَة لتأخري عَنْهُم.
وَركبت إِلَى الْمَأْمُون من وقتي، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ لي: يَا إِسْحَاق، وَيحك، أَيْن كنت؟ فَأَخْبَرته بخبري.
فَقَالَ: عَليّ بِالرجلِ السَّاعَة، فدللتهم على بَيته، فأحضر، فَسَأَلَهُ الْمَأْمُون عَن الْقِصَّة، فَأخْبرهُ بهَا.
فَقَالَ: أَنْت ذُو مُرُوءَة، وسبيلك أَن تعان عَلَيْهَا، فَأمر لَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute