للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ قيس أبر النَّاس بِأُمِّهِ، فألهته لبنى وعكوفه عَلَيْهَا عَن بعض ذَلِك، فَوجدت أمه فِي نَفسهَا، وَقَالَت: لقد شغلت هَذِه الْمَرْأَة ابْني عَن بري.

وَلم تَرَ للْكَلَام موضعا حَتَّى مرض قيس مَرضا شَدِيدا، فَلَمَّا برِئ، قَالَت أمه لِأَبِيهِ: لقد خشيت أَن يَمُوت قيس وَلم يتْرك خلفا، وَقد حرم الْوَلَد من هَذِه الْمَرْأَة، وَأَنت ذُو مَال، فَيصير مَالك إِلَى الْكَلَالَة، فَزَوجهُ غَيرهَا، لَعَلَّ الله عز وَجل يرزقه ولدا، وألحت عَلَيْهِ فِي ذَلِك.

فأمهل ذريح حَتَّى اجْتمع قومه، ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا قيس، إِنَّك اعتللت هَذِه الْعلَّة وَلَا ولد لَك، وَلَا لي سواك، وَهَذِه الْمَرْأَة لَيست بولود، فَتزَوج إِحْدَى بَنَات عمك لَعَلَّ الله تَعَالَى أَن يهب لَك ولدا تقر بِهِ عَيْنك وأعيننا.

فَقَالَ قيس: لست متزوجًا غَيرهَا أبدا.

فَقَالَ أَبوهُ: يَا بني، فَإِن مَالِي كثير، فتسر بالإماء.

فَقَالَ: وَلَا أسوءها بِشَيْء أبدا.

قَالَ أَبوهُ: فَإِنِّي أقسم عَلَيْك إِلَّا طَلقتهَا.

فَأبى، وَقَالَ: الْمَوْت، وَالله، أسهل عَليّ من ذَلِك، وَلَكِنِّي أخيرك خصْلَة من خِصَال.

فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تتَزَوَّج أَنْت، فَلَعَلَّ الله عز وَجل أَن يرزقك ولدا غَيْرِي.

فَقَالَ: مَا فِي فضل لذَلِك.

قَالَ: فَدَعْنِي أرحل عَنْك بأهلي، وأصنع مَا كنت صانعًا، لَو كنت مت فِي علتي هَذِه.

فَقَالَ: وَلَا هَذَا.

قَالَ: فأدع لبنى عنْدك، وأرتحل عَنْك إِلَى أَن أسلوها، فَإِنِّي مَا تحب

<<  <  ج: ص:  >  >>