للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فصنعت فيهمَا لحنًا، ثقيل أول، مُطلق فِي مجْرى الْوُسْطَى، ثمَّ غنيته إِيَّاه، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى ظننته قد مَاتَ.

ثمَّ أَفَاق، فَقَالَ: أعد فديتك.

قلت: أخْشَى أَن تَمُوت.

فَقَالَ: هَيْهَات، هَيْهَات، أَنا أَشْقَى من ذَلِك، فأعد عَليّ.

وَمَا زَالَ يخضع ويتضرع، حَتَّى أعدته، فَصعِقَ صعقة أَشد من الأولى، حَتَّى ظَنَنْت نَفسه قد فاظت، فَلَمَّا أَفَاق، رددت عَلَيْهِ الدَّنَانِير.

وَقلت لَهُ: خُذ دنانيرك، وَانْصَرف عني، فقد قضيت حَاجَتك، وَبَلغت وطرًا مِمَّا أردته، وَلست أحب أَن أشارك فِي دمك.

فَقَالَ: لَا حَاجَة لي فِي الدَّنَانِير، وَهَذِه مثلهَا لَك، وَأخرج ثلث مائَة دِينَار أُخْرَى.

وَقَالَ: أعد عَليّ الصَّوْت مرّة أُخْرَى، وحلال لَك دمي.

فَقلت: لَا وَالله، إِلَّا على شَرط.

قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قلت: تقيم عِنْدِي، وتتحرم بطعامي وتشرب أقداحًا من النَّبِيذ تشد قَلْبك، وتسكن بعض مَا بك، وتحدثني بقصتك.

فَقَالَ: أفعل.

فَأخذت الدَّنَانِير، ودعوت بِطَعَام، فَأصَاب مِنْهُ، وبالنبيذ، فَشرب أقداحًا، وغنيته بِشعر غَيره فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ يشرب ويبكي.

ثمَّ قَالَ: الشَّرْط، أعزّك الله، فغنيته صَوته، فَجعل يبكي أحر بكاء، وينتحب.

فَلَمَّا رَأَيْت مَا بِهِ قد خف عَمَّا كَانَ يلْحقهُ، والنبيذ قد شدّ من قوته، كررت عَلَيْهِ صَوته مرَارًا، ثمَّ قلت لَهُ: حَدثنِي حَدِيثك.

<<  <  ج: ص:  >  >>