قلت: مَا انصفتني، إِذْ تخْتَار لغيري، وتولي الْخِيَار غَيْرك.
فَأَشَارَ إِلَيّ العذري، أَن دَعه يخيرها، قَالَ: فَأرْسل إِلَيْهَا: أَن من الْأَمر كَذَا وَكَذَا.
فَأرْسلت إِلَيْهِ: مَا كنت أستبد بِرَأْي دون الْقرشِي، وَالْخيَار فِي قَوْله وَحكمه.
فَقَالَ لي: إِنَّهَا قد ولتك أمرهَا، فَاقْض مَا أَنْت قَاض.
فَقلت: اشْهَدُوا أَنِّي قد زوجتها من الْجَعْد بن مهجع، وأصدقتها هَذِه الْألف دِينَار، وَجعلت تكرمتها العَبْد، وَالْبَعِير، والقبة، وكسوت الشَّيْخ هَذَا الْمطرف، وَسَأَلته أَن يَبْنِي الرجل عَلَيْهَا من ليلته.
فَأرْسل إِلَى أمهَا، فَأَبت، وَقَالَت: أتخرج ابْنَتي كَمَا تخرج الْأمة؟ قَالَ الشَّيْخ: فعجلي فِي جهازها.
فَمَا بَرحت، حَتَّى ضربت الْقبَّة فِي وسط الْحَرِيم، وَأهْديت إِلَيْهِ لَيْلًا، وَبت أَنا عِنْد الشَّيْخ.
فَلَمَّا أَصبَحت، أتيت الْقبَّة، فَصحت بصاحبي، فَخرج إِلَيّ، وَقد أثر السرُور فِيهِ.
فَقلت: إيه.
فَقَالَ: أبدت، وَالله، كثيرا مِمَّا كَانَت تخفيه عني يَوْم لقيتها، فسألتها عَن ذَلِك، فأنشأت تَقول:
كتمت الْهوى لمّا رَأَيْتُك جازعًا ... وَقلت فَتى بعض السرُور يُرِيد
وَأَن تطّرحني أَو تَقول فتية ... يضرّ بهَا برح الْهوى فتعود
فورّيت عمّا بِي وَفِي دَاخل الحشا ... من الوجد برح فاعلمنّ شَدِيد
فَقلت: أقِم على أهلك، بَارك الله لَك فيهم، وَانْطَلَقت، وَأَنا أَقُول:
كفيت الْفَتى العذريّ مَا كَانَ نابه ... وإنّي لأعباء النوائب حمّال