للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ قَالَ: وَالله، إِن هَذَا مني لعجز، أرجع من غير أَن ألقِي ولي الْعَهْد، فَأعْلم من دهاني عِنْده؟ وَرَأى أُنَاسًا كَانُوا أَعدَاء لَهُ، قد فرحوا بِمَا كَانَ من أمره، وَلم يزل يلطف بالحاجب، حَتَّى قَالَ لَهُ: أما إِذْ أطلت الْمقَام، فَأَنا أكره أَن تَنْصَرِف على حالك هَذِه، وَلَكِن الْأَمِير، إِذا كَانَ يَوْم كَذَا وَكَذَا، وَدخل الْحمام، ثمَّ أَمر بسريره فأبرز، وَلَيْسَ عَلَيْهِ يؤمئذ حجاب، فَإِذا كَانَ ذَلِك الْيَوْم حضرت، فَدخلت عَلَيْهِ، وظفرت بحاجتك، وَيكون لي أَنا عذر.

فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم دخل الْحمام، وأبرز سَرِيره، وَجلسَ عَلَيْهِ، وَأذن للنَّاس فَدَخَلُوا، وَبعث الْحَاجِب إِلَى طريح، فَأقبل.

فَلَمَّا رَآهُ الْوَلِيد من بعيد، صرف وَجهه عَنهُ، وَكره أَن يردهُ من بَين النَّاس، فَسلم، فَلم يرد عَلَيْهِ، فَأَنْشَأَ طريح يَقُول:

نَام الخلي من الهموم وَبت فِي ... ليل أكابده وهم مضبع

وسهرت لَا أسرِي وَلَا فِي لَذَّة ... أرقي وأعقد مَا لقِيت المضجع

أبغي وُجُوه مخارجي من تُهْمَة ... أزمت عَليّ وسد مِنْهَا المطلع

جزعا لمغضبة الْوَلِيد وَلم أكن ... من قبل ذَاك من الْحَوَادِث أجزع

يَابْنَ الخلائف إِن سخطك لامرئ ... أمسيت عصمته بلَاء مفظع

فلأنزعن عَن الَّذِي لم تهوه ... إِن كَانَ لي وَرَأَيْت ذَلِك منزع

فاعطف فدَاك أبي عَليّ تعطفا ... وفضيلة فَعَسَى الْفَضِيلَة تَنْفَع

فَلَقَد كَفاك وَزَاد مَا قد نالني ... إِن كنت لي ببلاء ضرّ تقنع

سمة لذاك عَليّ جسم شاحب ... باد تحسره ولون أسفع

<<  <  ج: ص:  >  >>