قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأنبأنا أَبُو عبد الله بن أبي دؤاد، قَالَ: دخلت على المعتصم يَوْمًا، فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله، لم يدعني الْيَوْم أَبُو الْحسن الإفشين حَتَّى أطلقت يَده على الْقَاسِم بن عِيسَى.
فَقُمْت من بَين يَدَيْهِ، وَمَا أبْصر شَيْئا خوفًا على أبي دلف، ودخلني أَمر عَظِيم، وَخرجت فركبت دَابَّتي، وسرت أَشد سير من الْجَوْسَقِ إِلَى دَار الإفشين بِقرب الْمَطِيرَة، أُؤَمِّل أَن أدْرك أَبَا دلف قبل أَن يحدث الإفشين عَلَيْهِ حَادِثَة.
فَلَمَّا وقفت بِبَابِهِ، كرهت أَن أَسْتَأْذن فَيعلم أَنِّي قد حضرت بِسَبَب أبي دلف، فيعجل عَلَيْهِ فَدخلت على دَابَّتي إِلَى الْموضع الَّذِي كنت أنزل فِيهِ، وأوهمت حَاجِبه أَنِّي قد جِئْت برسالة المعتصم، ثمَّ نزلت، فَرفع السّتْر، فَدخلت، فَوجدت الإفشين فِي مَوْضِعه، وَأَبُو دلف مُقَيّد بالحديد بَين يَدَيْهِ فِي نطع، وَهُوَ يقرعه ويخاطبه بأشد غضب وَأعظم مُخَاطبَة.
فحين قربت مِنْهُ أمسك فَسلمت، وَأخذت مجلسي، ثمَّ قلت للإفشين: قد عرفت حرمتي بأمير الْمُؤمنِينَ، وخدمتي إِيَّاه، وَمَوْضِعِي عِنْده، وموقعي من رَأْيه، وتفرده بالصنيعة عِنْدِي وَالْإِحْسَان، وَعلمت مَعَ ذَلِك ميلي إِلَيْك، ومحبتي لَك، وَقد رغبت إِلَيْك فِيمَا يرغب فِيهِ مثلي إِلَى مثلك، مِمَّن رفع الله قدره، وَأجل خطره وَأَعْلَى همته.
فَقَالَ: كل مَا قلت كَمَا قلت، وكل مَا أردْت فَهُوَ مبذول لَك، خلا هَذَا الْجَالِس، فَإِنِّي لَا أشفعك فِيهِ.