فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله، هَذَا رجل طلب دمي، وَلم تقنعه إِزَالَة نعمتي، وَلَا سَبِيل إِلَى تشفيعك فِيهِ، وَلَكِن هَذَا بَيت مَالِي، وَهَذِه ضياعي، وكل مَا أملك بَين يَديك، فَخذ من ذَلِك كُله مَا أردْت.
فَقلت: بَارك الله لَك فِي أموالك وَثَمَرهَا، لم آتِك فِي هَذَا، وَإِنَّمَا أَتَيْتُك فِي مكرمَة يبْقى لَك فَضلهَا، وَحسن أحدوثتها، وتعتقد بهَا منَّة فِي عنقِي، وَلَا أَزَال مرتهنا فِي شكرها.
فَقَالَ: مَا عِنْدِي فِي هَذَا شَيْء أَلْبَتَّة.
فَقلت لَهُ: الْقَاسِم بن عِيسَى فَارس الْعَرَب وشريفها، فاستبقه، وأنعم عَلَيْهِ، فَإِن لم تره لهَذَا أَهلا، فهبه للْعَرَب كلهَا، وَأَنت تعلم أَن مُلُوك الْعَجم لم تزل تفضل على مُلُوك الْعَرَب، وَمن ذَلِك مَا كَانَ من كسْرَى إِلَى النُّعْمَان حَتَّى ملكه، وَأَنت الْآن بَقِيَّة الْعَجم وشريفها، وَالقَاسِم شرِيف الْعَرَب، فَكُن الْيَوْم شريفا من الْعَجم أنعم على شرِيف من الْعَرَب وَعَفا عَنهُ.
فَقَالَ: مَا عِنْدِي فِي هَذَا جَوَاب إِلَّا مَا سَمِعت، وتنكر، وتبينت الشَّرّ فِي وَجهه.
فَقلت فِي نَفسِي: أنصرف، وأدع هَذَا يقتل أَبَا دلف؟ لَا وَالله، وَلَكِن أمثل بني يَدَيْهِ قَائِما، وأكلمه، فَلَعَلَّهُ أَن يستحي، فَقُمْت، وتوهمني أُرِيد الِانْصِرَاف، فتحفز لي.
فَقلت: لست أُرِيد الِانْصِرَاف، وَإِنَّمَا مثلت بَين يَديك قَائِما، صَابِرًا، رَاغِبًا، ضارعا، سَائِلًا، مستوهبا هَذَا الرجل مِنْك.
فَكَانَ جَوَابه أغْلظ.
فتحيرت، وَقلت فِي نَفسِي: أنكب على رَأسه، فأقبله، فدخلني من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute