فَبينا أَنا كَذَلِك، إِذْ خرج خَادِم من وَرَاء السّتْر، فعرفته، ثمَّ دخل، وَخرج، فَقَالَ: ادخل.
فَدخلت، وَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أما لي حُرْمَة؟ أما لي ذمام؟ أما لي حق؟ أما فِي فضل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وَنعمته عِنْدِي، مَا تجب رعايته؟ فَقَالَ: مَا لَك يَا أَبَا عبد الله؟ مَا قصتك؟ اجْلِسْ، فَجَلَست.
ثمَّ قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قلت لي الْيَوْم فِي الْقَاسِم بن عِيسَى قولا علمت مَعَه أَنَّك أردْت استبقاءه وحقن دَمه، فمضيت من فوري إِلَى أبي الْحسن الإفشين، ثمَّ قصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة إِلَى مَوضِع الرسَالَة الَّتِي أديتها عَنهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي كل ذَلِك يتغيظ، ويفتل سباله، حَتَّى إِذا أردْت أَن أعرفهُ الرسَالَة الَّتِي أديتها عَنهُ، قطع، وَقَالَ: يمْضِي قَاضِي، وصنيعتي أَحْمد بن أبي دؤاد إِلَى خيذر، فيخضع لَهُ، وَيقف بَين يَدَيْهِ، وَيقبل رَأسه، فَلَا يشفعه؟ قتلني الله إِن لم أَقتلهُ، يكررها.
فَمَا استوفى كَلَامه، حَتَّى رفع السّتْر وَدخل الإفشين، فَلَقِيَهُ بأكبر الْبر وَالْإِكْرَام، وَأَجْلسهُ بِقُرْبِهِ، وَقَالَ: فِي هَذَا الْوَقْت الْحَار يَا أَبَا الْحسن؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، رجل قد عرفت مَا نالني مِنْهُ، وَأَنه طلب دمي، وَقد أطلقت يَدي عَلَيْهِ، يجيئني هَذَا، وَيَقُول لي: إِنَّك بعثت إِلَيّ تَأْمُرنِي أَن لَا أحدث فِيهِ حَدثا، وَأَنِّي إِن قتلته قتلت بِهِ؟ قَالَ: فَغَضب، وَقَالَ: أَنا أَرْسلتهُ إِلَيْك، فَلَا تحدث على الْقَاسِم بن عِيسَى حَدثا.