للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقلت: أَنْت اخْتَرْت لنَفسك هَذَا، وَلَو أجبتني إِلَى مَا قد سَمِعت يَمِيني عَلَيْهِ، لتخلصت، فاستجب لما أُرِيد مِنْك.

فَأخذ يستعطفني، فَجَاءَنِي ضد مَا قدرته فِيهِ، وغاظني، فشتمته، وَقلت: هَذَا الْأَمر المهم الَّذِي ذكرت فِي رقعتك أَنَّك تُرِيدُ أَن تلقيه إِلَيّ هُوَ أَن تستعطفني، وتسخر مني، وتخدعني.

فَقَالَ: يَا سَيِّدي، فَلَيْسَ عنْدك الْآن غير هَذَا؟ فَقلت: لَا.

فَقَالَ: إِذا كَانَ لَيْسَ غير هَذَا، فاقرأ يَا سَيِّدي هَذَا.

وَأخرج إِلَيّ كتابا لطيفا مَخْتُومًا فِي ربع قرطاس ففضضته، فَإِذا هُوَ بِخَط المتَوَكل الَّذِي أعرفهُ إِلَيّ بالانصراف، وَتَسْلِيم مَا أتولاه إِلَى أَحْمد بن خَالِد، وَالْخُرُوج إِلَيْهِ مِمَّا يلْزَمنِي، وَرفع الْحساب إِلَيْهِ، والامتثال لأَمره.

فورد عَليّ ذَلِك أقبح مورد، لقرب عهد الرجل بشتمي لَهُ، وَأَنه فِي الْحَال تَحت مكارهي وحديدي فَأَمْسَكت مبهوتا.

وَلم ألبث أَن دخل أَمِير الْبَلَد فِي أَصْحَابه وغلمانه، فَوكل بداري، وَجَمِيع مَا أملكهُ وبأصحابي وغلماني وجهابذتي، وكتابي، وَجعلت أزحف من الصَّدْر حَتَّى صرت بَين يَدي أَحْمد بن خَالِد، وَهُوَ فِي قيوده.

فَدَعَا أَمِير الْبَلَد بحداد، ففك قيوده، فمددت رجْلي؛ ليوضع فيهمَا الْقَيْد، فَقَالَ لي: يَا أَبَا أَيُّوب، ضم أقدامك، ووثب قَائِما، وَقَالَ لي: يَا أَبَا أَيُّوب: أَنْت قريب عهد بعمالة هَذَا الْبَلَد، وَلَا منزل لَك فِيهِ، وَلَا صديق، ومعك حرم وحاشية كَبِيرَة، وَلَيْسَ تسعك إِلَّا هَذِه الدَّار، وَكَانَت دَار العمالة،

<<  <  ج: ص:  >  >>