للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنا أجد عدَّة مَوَاضِع، وَلَيْسَ لي كَبِير حَاشِيَة، وَمن نكبة خرجت، فأقم بمكانك.

وَخرج، وَصرف التَّوْكِيل عني، وَعَن الدَّار، وَأخذ كتابي وأسبابي إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرف قلت لغلماني: هَذَا الَّذِي نرَاهُ فِي النّوم، انْظُرُوا من وكل بِنَا؟ فَقَالُوا: مَا وكل بِنَا أحد.

فعجبت من ذَلِك عجبا شَدِيدا، وَمَا صليت الْعَصْر حَتَّى عَاد إِلَيّ جَمِيع من حمله مَعَه من المتصرفين وَالْكتاب والجهابذة، وَقَالُوا: أَخذ خطوطنا بِرَفْع الْحساب، وأمرنا بالملازمة، وأطلقنا، فازداد عجبي.

فَلَمَّا كَانَ من الْغَد، باكرني مُسلما، ورحت إِلَيْهِ فِي عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم مُسلما عَلَيْهِ.

فأقمت على ذَلِك ثَلَاثِينَ يَوْمًا، يَغْدُو إِلَيّ، وأروح إِلَيْهِ، وَرُبمَا غَدَوْت أَنا، وَرَاح هُوَ وهداياه، وألطافه تَأتِينِي فِي كل يَوْم من الْفَاكِهَة، والثلج، وَالْحَيَوَان والحلوى.

فَلَمَّا كَانَ بعد ثَلَاثِينَ يَوْمًا، جَاءَنِي، فَقَالَ لي: قد عشقت مصر يَا أَبَا أَيُّوب، وَالله مَا هِيَ طيبَة الْهَوَاء، وَلَا عذبة المَاء، وَإِنَّمَا تطيب بِالْولَايَةِ والاكتساب، وَلَو دخلت إِلَى سر من رأى، لما أَقمت إِلَّا شهرا حَتَّى تتقلد أجل الْأَعْمَال.

فَقلت لَهُ: وَالله، مَا أَقمت إِلَّا توقعا لأمرك فِي الْخُرُوج.

فَقَالَ: أَعْطِنِي خطّ كاتبك، بِأَن عَلَيْهِ الْقيام بِالْحِسَابِ، واخرج فِي حفظ الله، فأحضرت كاتبي، وَأخذ خطه كَمَا أَرَادَ، وتسلمه، وَقَالَ: اخْرُج فِي أَي وَقت شِئْت.

<<  <  ج: ص:  >  >>