فَخرجت من غَد، فَخرج هُوَ وأمير الْبَلَد وخاصته، ووجوه أَهله، فشيعوني إِلَى ظَاهر الْبَلَد، وَقَالَ لي: تقيم فِي أول منزل على خَمْسَة فراسخ، إِلَى أَن أزيح عِلّة قَائِد يصحبك إِلَى الرملة، فَإِن الطَّرِيق فَاسد.
فاستوحشت من ذَلِك، وَقلت: هَذَا إِنَّمَا غرني حَتَّى أخرج كل مَا أملكهُ، فيتمكن مِنْهُ فِي ظَاهر الْبَلَد، فيقبضه، ثمَّ يردني إِلَى الْحَبْس وَالتَّوْكِيل والمطالبة، ويحتج عَليّ بِكِتَاب يذكر أَنه ورد عَلَيْهِ ثَانِيًا.
فَخرجت، وأقمت بالمرحلة الَّتِي أَمر بهَا، مستسلما، متوقعا للشر، إِلَى أَن رَأَيْت أَوَائِل عَسْكَر مقبل من مصر.
فَقلت: لَعَلَّه الْقَائِد الَّذِي يُرِيد أَن يصحبني، أَو لَعَلَّه الَّذِي يُرِيد أَن يقبض عَليّ بِهِ، فَأمرت غلماني بِمَعْرِِفَة الْخَبَر.
فَقَالُوا: قد جَاءَ أَحْمد بن خَالِد الْعَامِل بِنَفسِهِ.
فَلم أَشك إِلَّا أَن الْبلَاء قد ورد بوروده، فَخرجت من مضربي، فَلَقِيته وسلمت عَلَيْهِ، فَلَمَّا جلس، قَالَ: أخلونا، فَلم أَشك أَنه للقبض عَليّ، فطار عَقْلِي، فَقَامَ من كَانَ عِنْدِي، وَلم يبْق غَيْرِي وَغَيره.
فَقَالَ: أعلم أَن أيامك لم تطل بِمصْر، وَلَا حظيت بكبير فَائِدَة، وَذَلِكَ الْبَاب الَّذِي سألتنيه فِي ولايتك فَلم أَسْتَجِب إِلَيْهِ، إِنَّمَا أخرت الْإِذْن لَك فِي الِانْصِرَاف من أول الْأَمر إِلَى الْآن؛ لِأَنِّي تشاغلت بالفراغ لَك مِنْهُ، وَقد حططت من الِارْتفَاع، وزدت فِي النَّفَقَات، فِي كل سنة خَمْسَة عشر ألف دِينَار، تكون للسنتين ثَلَاثِينَ ألف دِينَار، وَهُوَ يقرب وَلَا يظْهر،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute