اجْتمع لي فِي المخلاة للمكدين، وألبس ثِيَابِي الَّتِي يعرفنِي بهَا جيراني، وأعود إِلَى منزلي، فَآكل، وأشرب، وألعب، بَقِيَّة يومي.
فَإِذا كَانَ الْمغرب جَاءَنِي خَادِم من خدم دَار ابْن طَاهِر، مَنْدُوب لهَذَا، فأرمي إِلَيْهِ من روزنة لي، رقْعَة فِيهَا خبر ذَلِك الْيَوْم، وَلَا أفتح لَهُ بَابي.
فَإِذا كَانَ بعد تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا، جَاءَنِي الْخَادِم، فَأنْزل إِلَيْهِ، فَأعْطِيه رقْعَة ذَلِك الْيَوْم، ويعطيني جاري ذَلِك الشَّهْر.
وَلَوْلَا أَنِّي لم أر صَاحب خبرك، وَلَا فطنت لَهُ، لما تمّ عَليّ هَذَا، وَلَو كنت لحظته لَحْظَة وَاحِدَة، مَا خَفِي عَليّ أَنه صَاحب خبر، ولكنت أرجع من الْموضع الَّذِي أرَاهُ فِيهِ، فَلَا يعرف خبري، وَبعد ذَلِك، فَإِنَّمَا تمّ عَليّ هَذَا؛ لِأَن أَجلي قد حضر، فَالله، الله فِي دمي.
فَقَالَ لَهُ: اصدقني عَمَّا رفعته إِلَى المعتضد عني، فحدثه بأَشْيَاء رَفعهَا، مِنْهَا خبر الثِّيَاب المصبغة.
قَالَ: فحبسه الْقَاسِم أَيَّامًا، وأخفى أمره، وأنفذني إِلَى منزله، وَقَالَ: رَاع أَمرهم، وَانْظُر مَا يجْرِي.
فمضيت إِلَى دَاره الَّتِي وصفهَا بدرب يَعْقُوب، فَجَلَست إِلَى الْمغرب، فجَاء الْخَادِم، فصاح بِهِ.
فَقَالَت لَهُ الْجَارِيَة: مَا رَجَعَ الْيَوْم، وَهَذِه لم تكن عَادَته قطّ، وَقد، وَالله، أشفقنا أَن يكون قد حدث عَلَيْهِ حَادث لَا نعرفه، وَقَامَت قيامتنا فَانْصَرف الْخَادِم، وانصرفت.
وعدت أَيْضا الْمغرب من الْغَد، وَجَاء الْخَادِم، فَقَالُوا لَهُ: قد، وَالله، أيسنا مِنْهُ، وَلَا نشك فِي أَنه قد هلك، والمأتم قد أقيم عَلَيْهِ فِي منزل أَبِيه وعمومته.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute